الأحد، 21 أغسطس 2016

وقف الحرب .. قبل المصالح والتطلعات الخاصة!

لا شك أن الهدف الاستراتجي الأكثر إلحاحاً وأهمية الآن من بين كل مسارات الحراك السياسي الجاري حالياً في السودان هو وقف الحرب، وترسيخ الاستقرار وبناء دولة ديمقراطية ذاخرة بالحريات والحقوق وقادرة على النهوض. المؤسف في هذا الصدد
-وما أكثر ما يؤسف له كلما تعلق الأمر بالممارسة السياسية في السودان- أن القوى السياسية المعارضة، السلمية و الحاملة للسلاح معاً، تبنى مواقفها حيال هذا الحراك على أمرين تكتيكيين فقط، أبعد ما يكونا عن الاهداف الاستراتيجية العليا لشعب السودان.
الأمر الأول، تريد تفكيك الدولة بالكامل بمزاعم سيادة حزب حاكم وسيطرته على مفاصلها! الأمر الثاني تريد أن تحكم -جميعها- بذات الذهنية السياسية القديمة ، مهاترات، مشاكسات، تلاعب بالتحالفات، ظنا منها أن هذا تكون الديمقراطية. ولا شك أن هذين الهدفين غير الموضوعيين بل والمذمومين هما اللذان يشكلان حالة الجذب والتراشق السياسي في منابر التفاوض بأديس أبابا.
ليست هناك مشاعر سياسية حقيقية من قبل حملة السلاح بالأمور الاستراتيجية المهمة لشعب السودان وللمواطن السوداني البسيط والمتمثلة في: 1- تجنيبه ويلات الحرب  إذلال اللجوء والنزوح والتفكك الاجتماعي إذ من الغريب أن لا يعتبر حملة السلاح بما يجري الآن في دولة الجنوب، فحمل السلاح وتكوين مليشيات مسلحة عشوائية لا تقود في خاتمة المطاف إلا لحروب متوالية. السودان فيه جيش قومي موحد وقوى لم ينكسر طوال تاريخه المجيد قط. إذن كيف لسياسي عاقل، أن يراوده الشعور بإمكانية إحلال جيش من مليشيات محل جيش قومي؟ 2- مخاطبة قضايا البلاد، المعيشة، الاقتصاد، التهديدات الخارجية على الحدود، القوانين وكيفية بناء دولة حديثة.  3- الإقرار وبصفة نهائية قاطعة –وبالنظر إلى التجارب المؤلمة بألا يحمل أحد السلاح في أي منطقة على أساس الظلم والتهميش، فالظلم والتهميش موجود حتى في دول العالم المتقدمة، ولا يعالج إلا بالسياسة والنفس الطويل والدأب والمثابرة.
لم يعرف تاريخ الشعوب عامة ولا تاريخ السودان على وجه الخصوص وان إقليماً من الأقاليم أو هاشماً من الهوامش (الأطراف) حمل السلاح ودخل المركز فاتحاً وغيّر الأمور لصالحه وأعاد رسم الجغرافيا وصياغة التاريخ! فالمركز هو النواة الصلبة لأي دولة إذا انكسر ظهر الدولة وزالت هيبتها.
هذه القضايا الرئيسية الثلاثة من بين عشرات القضايا الأخرى لا تشغل بال القوى المعارضة وهو ما يجعلها شديدة الحساسية فقط تجاه مصالحها، محاصصاتها في السلطة، مقاعدها في القصر، كم ستأخذ من الثروة؟  الواقع إن هذا هو جوهر أزمة القوى المعارضة تريد أن تأخذ (كل شيء) متجاهلة تماماً أوضاع شعبها ومعاناتهم . ولو قال قائل إن الحكومة هي الأخرى تخطئ، فإن الحكومة تخطئ، نعم ولكن لنسأل سؤال صادق وأمين لو أن هذه الحكومة الحالية -التى تضم عدداً مقدراً من القوى السياسية المختلفة- غير مقبولة لدى الشعب السوداني، هل إن شعب السودان يلزم الصمت ويقف داعماً لها ضد مصلحته؟
 من المؤكد إن قوى المعارضة تعرف معدن شعب السودان وإرادته السياسية، وهي تدرك الآن أنه لم يثر ضد هذه الحكومة لعلمه علم اليقين أنها الأفضل على الأقل إذا ما قيست بالقوى المعارضة بتناحرها وخلافاتها وتقاطع رؤاها. قبول شعب السودان لهذه الحكومة -وهو قادر على إزالتها كما فعل أكثر من مرة في أزمان ماضية حيال حكومات سابقة- ينبغي أن يستوقف هذه القوى المعارضة وأن يجعلها تتحسس مكامن عيوبها وأن ترضى بالتسوية المتاحة ثم تطور نفسها لتبلغ رضاء شعب السودان.
من الغريب أن تزايد قوى سياسية (سبقت تجربتها عملياً) على شعب ذكي لماح و تزعم أنها تسعى (بالوكالة) عنه من أجل إسقاط النظام و تفكيك دولته! غريب حقاً لأن المحك هنا هو ما إذا كانت هذه القوى نفسها مقبولة؟ هل هي مؤهلة لقيادة هذا البلد؟ هل هي حريصة على صيانة وحدته وسيادته؟ هل هي أمينة على الدولة السودانية لا تفتح بها ثغرات للعامل الأجنبي ومصالح القوى الدولية المشبوهة؟
إجابة هذه القوى -بأمانة وموضوعية- على هذه الأسئلة هي التى تحدد أهدافها، فالمطلوب هو إيقاف الحرب كهدف ملح واستراتيجي عاجل، ليس فيه منتصر أو مهزوم ؛ كما أن المفاوضات الجارية هي (عمل سياسي) وطني لإعطاء شعب السودان أحلامه وأمانيه دون منّ أو أذى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق