الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

حركات دارفور وعزلة مثيرة للريبة!

تظل مواقف الحركات الدارفورية المسلحة الرافضة بتعنت غير مبرر وإصرار غريب مبدأ التحاور والتفاوض لغزاً محيراً وعصياً على الفهم. إذ أن الأكثر مدعاة للغرابة هنا ليس فقط هذا التعنت غير المبني على استراتيجية مفهومة ولا قائم على حسابات سياسية أو عسكرية جديرة بالتقدير؛ ولكن الغرابة الاكبر في ان مشروع الحوار الوطني الذي انطلق في العاشر من اكتوبر الجاري وبغض النظر عن مخرجاته أو نتائجه المنتظرة هو بمثابة (سوق سياسي سوداني) نادر قلما يجود به الزمان في عصرنا الراهن بمعطياته المتقاطعة والمعقدة المعروفة!
حركات دارفور التي ثبت عملياً أنها الاكثر بعداً عن الساحة السياسية السودانية كانت وما تزال الاكثر حاجة لعرض بضاعتها السياسية -كيفما كانت- على بقية القوى السياسي السودانية ولو من باب (العلم بالشيء ولا الجهل به) إذ لا ينكر حتى مكابر ان الحركات الدارفورية اتخذت لنفسها مساراً غامضاً بالغ القتامة لا يدري أحد ما هي حدوده، وما هي طبيعة الاهداف الكامنة وراءه وإلى أي مدى تستوعب هذه الحركات طبيعة الواقع السوداني!
لهذا كان ضرورياً للغاية -ولو من باب الدعاية السياسية المحضة- ان تحضر هذه الحركات وتحاور وتناقش وتطرح رؤاها وتستمع الى الآخرين وتحاول سبر غور رؤى ومواقف كافة القوى السودانية الأخرى ما كان منها في الصف الحاكم أو في صف المعارضة أو حتى من هم على الرصيف.
هذا الغياب -غير المشفوع بعذر مقبول- يزيد من درجة الشك والارتياب فى هذه الحركات كونها- هي بالذات- تتعالى على الواقع السوداني وتجافيه وتمعن في الحط من شأنه مع أنها- بالمقابل- لا تمتلك أدنى رؤية سياسية ذات نفع حتى على مستواها التنظيمي الداخلي لأن من المؤكد ان هذه الحركات لو كانت على ما يرام ولديها رؤى سياسية عميقة وموضوعية لما عانت من الانشقاقات المتواصلة ولما ظلت هكذا متشرذمة، متناحرة، بل لو كانت بالفعل حركات ذات أطروحات موضوعية مجردة وجادة لدخلت في مفاوضات جادة مع الحكومة -تماماً كما فعلت بعض الفصائل الاخرى أو حتى كما فعلت الحركة الشعبية الجنوبية في نيفاشا 2005.
ولما لم يحدث كل ذلك وليس من المنظور ان يحدث وفق الواقع المعروف عن هذه الحركات، فإن من الغريب ان تركن الى الهروب أو التهرّب من هذا الاستحقاق الوطني التاريخي الكبير! لا شك ان كل من يقاطع محفلاً وطنياً كهذا دون ان تكون لديه بدائل وأطروحات مفهومة وموضوعية، يعتبر عملياً (مفلس) سياسياً لأن القضايا الوطنية ومهما كانت حدة هذه القضايا وحساسيتها فهي في خاتمة المطاف لا يمكن حلها إلاّ في سياق حوار وتفاوض وتفاهم في أي مناخ أو طقس، والحركات الدارفورية ليس لها (ميزة تفضيلية) خاصة تختلف عن بقية القوى السودانية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق