الأحد، 18 أكتوبر 2015

غياب بغير عذر!

لا أحد بإمكانه أن يزعم أو يدعي -مجرد ادعاء- أنه هو وحده أكثر ذكاءً ووطنية من الآخرين، كما لا يمكن لعقل ان يعتقد انه (هو وحده) الذي يرى بأعين افضل من أعين الآخرين، ففي مثل هذه الحالة يتحول الامر الى (مرض سياسي نفسي) عصيّ على الشفاء.
حركة عبد الواحد محمد نور هي إحدى الحركات الدارفورية الرئيسية ظلت ومنذ مفاوضات أبوجا 2006 ترفض بإصرار غريب حتى مجرد مبدأ الجلوس الى التفاوض. ترفض (مسبقاً) أي حديث عن التفاوض والسلام مع انها (مجرد فصيل مسلح) في اقليم واحد من عدد من الاقاليم السودانية مشاكله وقضاياه في مجملها لا تختلف كثيراً عن مشاكل وقضايا بقية الاقاليم.
صحيح ربما كانت لدارفور خصوصية بدرجة ما، وصحيح أيضاً ان الازمة في دارفور لفتت انظار العالم واستحوذت على كل حواسه، ولكن في واقع الامر لم يكن كل ذلك إلا في سياق دعاية مصطنعة مقصودة برع فيها غلاة الصهاينة وجماعات الضغط السود الذين صار من المعتاد أن تجدهم في كل دولة أوربية أو غربية. كل ما يجيدونه هو محاولة قلب المعادلة في أي بلد يرون انه لا يحقق مزاجهم!
وعلى ذلك فإن اصرار حركة عبد الواحد منذ اكثر من 10 سنوات على عدم التفاوض، واستهانتها المتواصلة بالآخرين، هي في مجملها ليست سوى (حالة نفسية) بالغة التعقيد بالتميز، شعور بأن الآخرين ليسو سوى أناساً اقل شأناً وأقل انسانية واقل مستوىً. ويمكن ايضاً أن نقيس على ذات المقياس مواقف الآخرين حركة مناوي، حركة جبريل، وغيرهم من الذين قاطعوا الحوار الوطني إمعاناً منهم في تعميق أزمة السودان وتدويلها. قادة الحركات الدارفورية المسلحة كانوا هم المعنيين أكثر من غيرهم بحضور هذه الفعالية الوطنية السودانية. هم دوناً عن سواهم كانوا الاكثر حاجة الى الحضور الى داخل السودان بضمانات أو بغرير ضمانات لمحاورة الجميع -الجهات الحاكمة وغير الحاكمة وتلك المعارضة- وذلك لعدة اعتبارات استراتيجية بالغة الأهمية:
أولها، أن حركات دارفور المسلحة حتى هذه اللحظة تبدو (حركات غامضة) للجميع! لا أحد حاكماً أو معارضة أو مواطناً عادياً يعرف ما هي رؤى وأهداف حركات دارفور، ماذا تريد؟ وإلى ماذا ترمي؟ ما هي طبيعة مشكلات الاقليم الذي خرجت تقاتل منه؟
كان ضرورياً أن تدخل هذه الحركات مضمار الحوار الوطني على الاقل لكي تبسط قضيتها بوضوح وبالتفصيل فلربما كان لديها أطروحات غير معروفة للآخرين! أو انها لديها (مقترحات) لصالح الدولة السودانية لم يقف عليها أحد وربما تفيد السودان كله او اقليم دارفور على أقل تقدير.
ثانياً، الحركات الدارفورية المسلحة -ميدانياً- ضعيفة وخفيفة الوزن الى حد لا يتجادل حوله اثنان، وكانت سانحة تاريخية لا تقدر بثمن ان تجعل من مضمار الحوار الوطني (غطاء) سياسي لها يمنع عنها فرضية الهزيمة الميدانية والفناء الحتمي ويكسبها وزناً سياسياً ضمن أوزان قوى سياسية اخرى محاورة. كما أنه من المعروف ان هنالك استحالة في ان تنجح هذه الحركات المسلحة في الوصول الى أهدافها –أياً كانت– عن طريق السلاح. وحتى لو تحقق لها ذلك فهي لن تستطيع المحافظة على وضعها هذا بقوة السلاح.
ثالثاً، أيهما كان افضل لهذه الحركات الدارفورية، ان تظل متشرذمة، متفرقة هكذا وتعاني من تسلط قادة قطاع  الشمال على رئاسة الجبهة الثورية؛ وتدخل في ميادين حروب لا  تخصها في دولة الجنوب وليبيا؛ أم تأتي للتحاور والاستفادة السياسية من فعاليات الحوار؟ لا شك ان هناك ما يشبه العقدة النفسية تسيطر على قادة هذه الحركات، فهي تشعر بأنها (حركات مختارة) وأنها تتمتع (بسمو سياسي عالي) ما يجعلها تضرب عرض الحائط بهذا المحفل الوطني التاريخي الذي قلّما يتكرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق