الأحد، 18 أكتوبر 2015

متغيرات إستراتيجية لصالح الحوار الوطني الداخلي!

على الرغم من أن العديد من القوى السودانية المعارضة لم تخف غبطتها عقب صدور قرار مجلس السلم الإفريقي رقم 259 في سبتمبر الماضي والذي بدا وكأنه وضع يده على طاولة الحوار الوطني ويحملها من الداخل إلى الخارج، إلا أن من المؤكد أن ذات هذه القوى المعارضة سرعان ما اتسعت عيونها بالدهشة جراء المتغيرات السريعة التي توالت مؤخراً وأبرزها الزيارة التاريخية الفارقة للرئيس اليوغندي موسيفيني للخرطوم منتصف الشهر الفائت!
إذ على اقل تقدير فإن الأمور قد تغيرات وهبت ريح غير مواتية في الاتجاه المعاكس لعشاق الحوار الخارجي والقرارات الدولية. فمن جانب أول فإن التحالفات السياسية قد تأثرت بدرجة كبيرة إذ أنه وعوضاً عما جرى داخل كابينة القيادة في الجبهة الثورية واستيلاء قادة الحركات الدارفورية على السلطة بداخلها وما قد يفضي إليه هذا التطور الكبير من نتائج وخيمة داخل الحلف المسلح، فإن مجرد التزام الرئيس موسيفيني -ولو نظرياً- بالتخلي عن دعم الثورية وحملة السلاح عموماً والتزام د. رياك مشار نائب الرئيس الجنوبي العائد بموجب الاتفاق السلمي الأخير إلى منصبه بذات الالتزام؛ مجرد الالتزام ينهي ولو معنوياً أية إمكانات عسكرية للثورية ويجعلها (بطة عرجاء)!
ومن جانب ثاني فإن القادة السياسيين الذين ركبوا موجة الجبهة الثورية بتقديرات سياسية خاطئة وأبرزهم -للأسف الشديد- زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق، هم الآن في مأزق نادر إذ أنهم أدركوا بعد فوات الأوان أن ماكينة الثورية بدأت بالعطل والكف عن الدوران ولن تقوى على إيصالهم إلى المطار المنشود!
ومن جانب ثالث، فإن مجلس السلم الإفريقي هو نفسه ورغم قراره هذا الذي بدا للبعض وكأنه مصادم للحكومة السودانية، وبدا فعلياً يراجع ولا نقول يتراجع عن قراراه وذلك أيضاً لعدة اعتبارات ومتغيرات من الصعب تجاوزها:
أولاً، صعوبة معالجة وضع الحركات المسلحة السودانية التي تحولت إلى قوى سالبة مهددة للأمن القومي الإقليمي للمنطقة.
حملة السلاح السودانيون لا يمكن التعامل معهم وفق قرارات إقليمية كهذه وإعطاؤهم (ميزة سياسية) تجعل منهم ثوار شرفاء قاتلوا من أجل قضية. إذا حدث ذلك فإن من شأنه أن يشجع حملة سلاح آخرين في مناطق مختلفة من الإقليم ويصبح مجلس السلم (إطفائي) دائم لا تتيح له إمكانياته المتواضعة إطفاء نيران المنطقة.
مجلس السلم الإفريقي أدرك إن من الأفضل معالجة الأوضاع في السودان (داخلياً) بحورا وطني شامل، بإتفاقيات سودانية سودانية، بمعالجات في الدوحة وهكذا، فهي قادرة على المعالجة ولو بعد سنوات.
ثانياً، مجلس السلم الإفريقي استدرك أيضاً متغيرات الأوضاع في دولة جنوب السودان ودور السودان المفتاحي فيها فإذا ما جرى إرغام السودان على فعل شيء جبراً لمعالجة أزماته، فهو لن يفعل في الوقت الذي هناك حاجة فيه لهذا البلد للإسهام في حل أزمة جيرانه. بمعنى أدق فإن السودان طرف مطلوب في حلحلة الأزمات الداخلية في المنطقة مما يقضي إعطاؤه الفرصة لحل أزماته طالما هو راغب فيها.
هذه الاعتبارات أهم عناصر تفكيك قراراته لصالح إعطاء الفرصة للحوار الوطني الداخلي. هناك عامل آخر لا يقل أهمية هو أن القوى السودانية المعارضة –سلمية كانت أم مسلحة– ليست على وفاق داخلي فيما بينها، وهي بهذه المثابة يصعب جمعها على أجندة واحدة، الأمر الذي قد يجعل من مهمة مجلس السلم الإفريقي حال رعايته لأي مفاوضات خارجية بهذا الصدد مهمة مستحيلة، وهو جرب ذات هذا الأمر في مفاوضات قطاع الشمال حيث تعذر تماماً مجرد وضع أجندة للتفاوض.
لكل ذلك فإن التعويل على مفاوضات وحوار بالخارج لم يعد بذات البريق، لقد تغيرات الأمور وبات من الأفضل أن يفكر قادة القوى السياسية في مواصلة مشروع الحوار الوطني الداخلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق