الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

ما هي ميزة الحوار الوطني بالداخل؟

القضايا الجوهرية مثار الحوار الوطني بين كافة الفرقاء السودانيين يمكن الجزم بأنها واحدة لا يختلف عليها إثنان ومن ثم فإن مكان مناقشتها والتحاور بشأنها لا يمنحها قيمة مختلفة، ولا شك ان الحكومة السودانية وعدد من القوى  السياسية موالية كان أو معارضة حين أقرّوا مبدأ الحوار الوطني داخل السودان لم يكونوا يطرحون أطروحات تعجيزية كما قد يعتقد البعض إذا على العكس تماماً -وفقاً لمتابعاتنا- فإن الامر في جوهره كان ولا يزال القصد منه إحداث نقلة تاريخية، يعكف من خلالها الفرقاء السودانيون وفق ارادتهم الوطنية الخالصة وبعيداً جداً عن تدخل الآخرين على حل قضاياهم بإرادة سودانية خالصة، وداخل السودان.
المفهوم والسياسي في هذه الاطروحة هو ان يفتح الجميع (صفحة جديدة) في هذا الصدد بغرض توطين الحل وإعطاء عنصر الثقة المفقود فرصة تاريخية نادرة لتأسيس منصة وطنية جديدة تجبُّ ما قبلها. في واقع الامر كانت وما تزال الحكومة السودانية من واقع طرحها لمشروع الحوار الوطني تراهن على عدة اعتبارات أساسية:
أولها، تجاوز كافة تجارب الماضي المؤلمة التي دفعت بقضايا السودان لمنابر خارجية كان حصادها أنها غلّت الارادة الوطنية وأتاحت لقوى دولية معادية ان تحشر أنفها في الشئون السودانية بما يتنافى مع التقاليد والأعراف السودانية. المؤسف هنا أن القوى السياسية وحملة السلاح تكلست أذهانهم وعجزت عن استيعاب هذه الجانب الحيوي المهم والأكثر اسفاً أن القوى المعارضة والمسلحة تتحجج بحجج الاتفاقات السابقة التى جرت في الخارج (أبوجا، الدوحة، نيفاشا)! المفارقة هنا أنه وبينما تسعى الحكومة لتجاوز تلك السوابق غير المحببة، فإن القوى المعارضة تحاجج بها باعتبارها سوابقاً ملزمة!
ثانيها، تعزيز عنصر الثقة قدر الامكان ومهما كان صعباً وقد رأينا تجربة عملية حين حضر قادة بعض الحركات الدارفورية المسلحة لجلسة الحوار الافتتاحية ثم توالى حضور حركات اخرى وقادة أحزاب (يوسف الكودة)، فمثل هذه النماذج رغم تقليل البعض منها كأمر طبيعي للتقليل من الحوار، يمكن اعتبارها قطرات مهمة على طريق تعزيز هذه الثقة، إذ يستحيل تماماً ان تقوم الحكومة بكل هذه القدر من الحراك وسط مراقبة العالم بأسره ثم يكون الحصاد هشيماً! هذا مستحيل تماماً. وبذا يمكن القول ان نجاح الحكومة في تعزيز جانب الثقة المتبادلة هذا يصب في صالحها وفي مصداقيتها بأكثر من أي شيء آخر مهما كانت المغالطات.
ثالثها، ان الحكومة السودانية حتى ولو افترضنا جدلاً أنها كانت ترمي لأهداف تكتيكية خاصة من وراء عملية الحوار، إلا انها وبمجرد ان أطلقت الدعوة وتبعتها بقرارات وقف الاطلاق النار والحريات وغيرها، لم يعد بوسعها التحكم في مسيرة العملية وهذه نقطة بديهية تكشف بدليل دامغ ان عملية الحوار عملية استراتيجية جادة، خاصة وإن أسطع دليل على ذلك أنه وفي هذه اللحظات فإن ميزان القوة على الارض وفي ميادين القتال كفته راجحة لمصلحة الحكومة.
الحركات المسلحة بأسرها لا تملك الآن زمام المبادرة في الميدان، ولهذا فإن من المستغرب ان تتمنع هذه الحركات والقوى المعارضة في خوض عمل سياسي لا يكلفها شيئاً. وعلى ذلك فإن نظرة الجانب الحكومي لمشروع الحوار الوطني يمكننا القول انها نظرة واقعية وموضوعية مهما حاول البعض التشكيك فيها؛ ذلك إنّ معطيات الواقع السوداني تشير بجلاء الى أنه لا بد من معالجة الازمة السودانية بالكامل علاجاً ناجعاً. وعلى ذلك فقد أثبتت القوى المعارضة الممانعة -بمنتهي الأسف- أنها لا تجيد قراءة الموقف السياسي ولا تجيد استثمار السوانح التاريخية كما ينبغي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق