الأحد، 26 أكتوبر 2014

خبر سار جداً..!!

ولأني أعلم حجم (الإحباط العام) الذي يقبض على خناق هذا البلد.. فأسمحوا لي أن أسكب بعض إشارات التفاؤل.. محاولة لضخ بعض الإشراق على قتامة المشهد السوداني المعكر بالأزمات السياسية والاقتصادية.
سعدت للغاية وأنا أقرأ خبراً عن افتتاح طريق (الإنقاذ الغربي).. وهو طريق قاري يربط الخرطوم بولايات دارفور الكبرى.. مروراً بعاصمة ولاية شمال كردفان.. عروس الرمال.. الأبيض.
هذا الطريق علاوة على أهميته الكبرى لحركة المواطنين وترابطهم الاجتماعي والاقتصادي.. فهو أكبر مشروع اقتصادي ذو جدوى عالية المنفعة.. فالمناطق التي يربطها في غالبها مناطق إنتاج زراعي وفير.. ولها أهمية تجارية من حيث الاستهلاك ايضاً.. ويمثل الطريق – بالطبع – معبراً ذا فائدة اقتصادية عالية للجارة تشاد التي تستطيع عبره استخدام ميناء بورتسودان للصادر والوارد.
بالمنطق المجرد من الهوى.. هذا الطريق يفترض أن يكون من ضمن مشروعات (الستينيات).. ربما قبل طريق الخرطوم – بورتسودان.. ولكن بكل أسف تأخر تنفيذه دهراً طويلاً، وكان سبباً في تفاقم قضية دارفور.
على كل حال (أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي).. ويبقى (تمامة) نعمة الطريق أن ينفتح طريق السلام في حرب دارفور.. لأن الطرق في مناطق الحروب تصبح مجرد (أسفلت) مهجور لا تقوى حركة التجارة والمواطنين على عبوره إلا تحت حراسة البنادق.. وهي حراسة تكلفتها أعلى من ثمن السلع المحروسة.
وطالما تأخرنا كل هذا الزمن في هذا المشروع القومي المهم.. فالأوجب أن نعوض الزمن الضائع بمشروع قومي آخر مهم وحيوي للغاية.. مشروع توطين القبائل الرحل.. هذا المشروع لا يكاد يذكر رغم أنه واحد من أهم موجبات النهضة السودانية اقتصادياً وإنسانياً.
مقومات الحياة العادية عند ملايين من أبناء القبائل التي تعتمد على المرعى الطبيعي، وتتنقل بمواشيها في مساحات شاسعة، أقل كثيراً مما يستحق إنسان اليوم، فكل الخدمات الضرورية تختفي في ظل حياة الترحال المستمر.. لا مدارس ولا خدمات طبية ولا ترفيه ولا كهرباء ولا ماء نظيف.. فقط إنسان يتجول خلف الحيوان طلباً للماء والكلأ.
هذه القبائل عنصر اقتصادي مهم قادر على استرداد أية ثروة تنفق على توطينهم.. مهما كانت مشروعات التوطين مكلفة، ولو مليارات الدولارات، فإن العائد الإنساني والاقتصادي من الاستقرار يغطيها ويزيد..
لابد من خطة قومية عاجلة وشاملة.. تنفذ على مراحل لتغطي كل قبائل الرحل.. ويتطلب ذلك ربطها بمراكز التسويق وإنتاج الأعلاف حتى تستثمر الثورة الحيوانية التي تملكها هذه القبائل بأفضل طريقة تضمن لها موارد نقدية عالية.
هذا المشروع إضافة إلى فوائده الاقتصادية والإنسانية فهو عامل استقرار (سياسي) مهم للغاية.. فالإنسان المستقر الذي يتلقى الخدمات.. وينتظر آخر النهار أطفاله ليعودوا من المدارس.. وفي المساء يتمتع بمشاهدة الفضائيات.. هو غير الإنسان الذي لا يرى في الحياة غير ذاته وممتلكاته الفقيرة وخصوماته الدموية.. والناظر لأزمة الحروب القبلية في بعض مناطق السودان يعجب لسهولة إراقة الدماء.. ورخص حياة الإنسان.. لكنها ثقافة أنجبتها حياة الحرمان من الخدمات العصرية.. ونعمة رؤية عالم آخر غير العالم المحلي الذي يكتنفها.
التنمية والنهضة أفضل (أتفاق) سلام ينهي الحروب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق