الخميس، 23 أكتوبر 2014

دروس في الديمقراطية للأحزاب الديمقراطية

إذا كانت حكومة المشير البشير قد جاءت في 30 يونيو عام 1989م تحت شعار «الإنقاذ الوطني» فإن جزءًا من هذا الانقاذ هو «الإنقاذ السياسي» بمعنى أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم قد قدم نموذجاً حياً وواضحاً في العمل السياسي داخل التنظيم مبرءاً من الطائفية والولاء لشخص أو أسرة معينة.
ومعلوم أن أول حكم ديمقراطي من عام 1945م إلى عام 1958م، قد إنهار بسبب الطموح الأسرية، فقد كان رئيس الوزراء ووزير الدفاع عبد الله بك خليل وهو قد كان آنذاك الأمين العام لحزب الأمة قد واجه معركة داخل التنظيم تستهدف موقعه الدستوري ليخلفه فيه ابن عائلة المهدي الدكتور مامون حسين شريف، فلم يلتزم الحزب بقيم الديمقراطية ومزاج قواعده من الأنصار وغيرهم. ويبدو أن عبد الله خليل قد اعتبر أن مثل هذا الصراع الحزبي سيفتح الباب واسعاً لاستهداف أمن واستقرار البلاد. فقد كان يتحلى بروح وطنية عالية جداً شهد له بها الكثير. وبهذا الطموح الأسري إنهار العهد الديمقراطي الأول في البلاد بتسليم السلطة لقاء عام الجيش الفريق إبراهيم عبود.
في فترة عبود كان العشم أن تقوم الأحزاب بإصلاحات تنظيمية داخلية حتى إذا ما انتهت فترة الحكم العسكري في أي وقت لا تكرر ولا يعاد إنتاج الأسباب التي وقفت وراء اضاعة الديمقراطية.
للأسف هذا لم يحدث. فقد «عادت حليمة لقديمها».. بعد حركة تغيير 21 اكتوبر 1964م. وإنهارت الديمقراطية الثانية التي كانت فترتها بين عامي 1965م و 1969م إلى 1989م. كل هذا الإنهيار يعود بالدرجة الأولى إلى العمل التنظيمي غير الجيد داخل الأحزاب. والآن المؤتمر الوطني يستفيد من التاريخ التنظيمي في البلاد، يعتبر بالعبر ويتعظ بالعظات. حتى في ناحية العلاقات الخارجية يتعامل بمرونة منقطعة النظير. لكن إذا عدنا إلى الوراء نجد أن فترة الديمقراطية الثالثة التي حكم فيها الصادق المهدي قد شهدت انفتاحاً على بعض الدول الآسيوية التي كانت تعاديها واشنطن قبل أن تصادقها الآن، وكان هذا الإنفتاح نوعاً من النرجسية السياسية إذا جاز التعبير لا تقابله مصلحة وطنية، بل قوبل بمعاداة أمريكية.
ولا يمكن طبعاً أية مقارنة هنا، فالسيد الصادق المهدي لم يحدد الأسس التي تبنى عليها العلاقات الدولية. ويرجع هذا لضعف الديمقراطية داخل حزبه رغم قاعدته الأعرض بين قواعد الأحزاب آنذاك.
إن قوة التنظيم بقيم الشورى ومبادئ الديمقراطية ويأتي التمويل بعد الفكرة في مراحل بناء تنظيم سياسي قوي جدير بأن يقود البلاد ويحافظ على مصالحها المختلفة في الداخل والخارج.
في هذه الأيام تثمر الجهود التنظيمية التي قام بها المؤتمر الوطني المعتمد على الفكرة قبل التمويل فالمال يضيع هدراً إذا لم يقترن بالفكرة التنظيمية الذكية وكم ضاعت أموال من الأحزاب القديمة السمينة والنحيلة على السواء والمصابة بسوء التغذية السياسية المتوقفة النمو. فلو ملكت مال قارون دون فكرة تنظيمية ذكية لن تكسب مزيداً من الجماهير الذين التفوا حول زعماء الأربعينيات والخمسينيات. وواضح جداً أن هؤلاء الجماهير أنزوا في الانحسار وكثير منهم اتجه إلى الفكرة التنظيمية في حزب المؤتمر الوطني.
عشرة ملايين عضو للمؤتمر الوطني هو رقم صرّح به مسؤول كبير في الحزب والدولة هو بروفيسور إبراهيم غندور، وهو يعي تماماً إنه يمكن أن يُسأل عن صحته. لكن دون التحري في المعلومات فيمكن من خلال الاستنتاج بالنظر إلى الفكرة التنظيمية الذكية يتأكد إلى حد كبير هذا الرقم رغم شكله الخرافي، وحتى نصفه يعني أن المؤتمر الوطني هو حزب الأغلبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق