الأحد، 26 أكتوبر 2014

أليس عندنا غير ذلك ؟

عندما يتابع المرء مواقع الأخبار المكتوبة والمرئية والمسموعة في أنحاء العالم المختلفة، يلاحظ أن العالم العربي والعالم الإسلامي لهما نصيب الأسد في تلك الأخبار.
لكن كل هذه الأخبار لا تسر ولا تبعث على الرضا أو الفخر، لأنها أخبار تدور حول القتل والذبح والتناحر والعنف والخروج عن القوانين وتدمير المنشآت العامة واضطهاد المرأة وتدفقات اللاجئين والاقتتال الطائفي والكوارث الإنسانية التي يصنعها الناس بأيديهم وينتظرون غيرهم لمساعدة ضحاياها.
ليس هذا وحده، بل أصبحت هذه الأخبار تخلق الفوضى الفكرية وتنشر البلبلة في أوساط الرأي العام العالمي حول الدين الإسلامي، وهو دين أصله راسخ في احترام الحرية وحقوق الإنسان ويحض على احترام أصحاب الديانات الأخرى.
وهنا تأتي المأساة الكبرى لأن العالم الإسلامي والعربي قد اكتسبا الآن سمعة غير حسنة لكونهما مصدرًا لكل صور العنف والجنوح المفرط في التعامل مع الآخرين، وهنا يطرح السؤال الملح نفسه : أليس عندنا غير ذلك من البضائع نصدره لباقي شعوب العالم ؟ هل اقتصرت صادراتنا (فيما يخص صنع الحضارة الإنسانية) على الجوانب السلبية التي تتسم بالتدمير والتخريب والعنف ؟
إننا عندما نطالع أخبار الشعوب الأخرى، نجد فيها الجهود المستمرة لتيسير حياة مواطنيها وتعزيز الخدمات ورفع مستوى المعيشة واكتشاف الأدوية لعلاج الأمراض المستعصية، والرقي بإبداعات التكنولوجيا وتسخيرها لرفاهية الإنسان، والتمسك الدائم بسيادة القوانين والدفاع عن الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطنون، وفوق ذلك فإن الكثير من الأنظمة المستقرة والمؤثرة في العالم، حسمت موضوع آلية انتقال السلطة لتكون عبر الانتخابات ولا مجال فيها لمن يريد تغيير السلطة بالعنف والسلاح وفرض الإرادة بالقوة.
كما أن الكثير من تلك المجتمعات قد تطور تفكيرها السياسي نوعيا حيث لم يعد لمجموعة من المواطنين ارتداء عباءة معتقدات دينية لفرض أفكار أو نظم سياسية تدين بالمطلق وترفض التنوع والتعايش السلمي بين فئات المجتمع المختلفة وتصور أفكارها وممارساتها في صورة تحتكر الحقيقة ولا تقبل الحوار أو احترام صفة التنوع التي لا يمكن القفز فوقها في أي مجتمع بشري.
إذا كان العالم العربي والإسلامي لا يستطيع أن يتعامل مع هذا الاختلال المريع في دوره إزاء الحضارة الإنسانية ولا يسعى لتصحيحه بما يعيد للحضارة العربية والإسلامية مساهمتها إيجابيا في مسيرة العالم، فإننا سنحكم على الدور العربي والإسلامي بأنه دور عاجز عن التعايش مع متطلبات العصر.
وهكذا يظل هذا الدور تأريخًا يعود إلى قرون مضت. بل سيظل العالم في تصنيفه ليس منقسما إلى شمال وجنوب (بمستوى التنمية) ولكنه سيكون منقسمًا بين عالم قادر على الحياة في بيئة القرن الحادي والعشرين وما تلاه، وعالم مقعد وعاجز عن التعامل مع هذه البيئة. وسيؤدي ذلك إلى أن العالم المقعد (بفتح العين) سيعرقل مسيرة العالم المنطلق إلى الأمام وسيحتل الأول موقعه في العرقلة والتعويق بجدارة يشهد عليها التاريخ.
إن ما نطرحه، لا يقوم على استبعاد التدخلات من خارج العالمين العربي والإسلامي في إطار الاصطراع على المصالح بين الدول والكيانات السياسية المختلفة. فتلك التدخلات موجودة. ولكننا في طرحنا، لا نريد أن نكون من الذين أدمنوا الهوس بنظرية المؤامرة في كل مشكلة تعترض سبيل العرب والمسلمين.
ولا شك أن الاستسلام التام لنظرية المؤامرة يقطع الطريق أمام أي جهد ذاتي لإصلاح الأوضاع. وهو أيضاً يعزز نزعة الخمول الفكري والبطالة السياسية عند النخبة العربية والنخبة في بلدان المسلمين وتظل مساهماتها شبه منعدمة لأنها لن تبدأ من تمكين الذات لإحداث التغيير، ولكنها ستظل منشغلة بمؤامرات الغير وعاجزة عن الانطلاق من مواطن القوة الذاتية لهذه البلدان.
إن دور النخبة المفكرة دور لا يستهان به. والشعوب لا تتقدم بالبنادق والصياح والقهر والعنف وأجواء الفوضى والضجيج المستمر. ولكنها تتقدم بالفكر الذي تطرحه القيادات الفكرية المستنيرة وترسخه في أذهان الرأي العام من خلال المؤسسات التعليمية والثقافية وهيئات المجتمع المدني.
ولذلك فإن العديد من أصحاب الرأي ينحون باللائمة على الفئات والنخب المثقفة في بلداننا لكونها عجزت عن بلورة طريق الاستنارة والحكم الرشيد وتركت الأمر لأصحاب الوسائل غير القانونية وغير الديمقراطية للسيطرة على مقادير الحكم والسلطة.
وهذا بالطبع، لا يغفل الحقيقة المرة ممثلة في انتشار الأمية والجهل بما يسهل قياد شعوبنا بواسطة أصحاب الأفكار المنغلقة وغير المستنيرة. وكل ذلك يكرس للحالة المؤسفة التي تجعل الشعوب في العالمين العربي والإسلامي (الاستثناءات تعد على أصابع اليد الواحدة) تعيش خارج التاريخ وتظل من أهل الهامش الذين لا يصنعون شيئا في منجزات الحضارة الإنسانية ويجسدون حالة الانقطاع الصارخ بين ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم على حساب أجيال تضيع منها الفرص وتنغلق أمامها أبواب المستقبل القريب والبعيد على حد سواء.
إن المشاركة في صناعة التاريخ، بإثراء حركة الإبداع الإنساني، لا تتم بالخروج من التاريخ، ولا تستقيم بالاستسلام إلى مماحكات المعوقين والمنكفئين على مشاهد الماضي التي لا تصلح ترياقا لأمراض الحاضر أو المستقبل، لأنها مساجلات جدلية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وعليه فإن السؤال المطروح : هل لدينا غير ذلك (العنف والاقتتال والأزمات الإنسانية) لنصدره لغيرنا من سكان كوكب الأرض ؟ يظل هو السؤال المركزي في التحديات التي تواجه الشعوب العربية والإسلامية. ولا يخدع أحد نفسه بأن التغيير إلى الأفضل سيأتي من خارج محيط هذه الشعوب. وأن كل يوم يضيع في المعارك الخاسرة سيرسخ من وضعية هامشية هي من صنع أيدينا، مهما حاولنا التهرب من مسؤوليات التاريخ وتحدياته، ومهما حاولنا الاختباء وراء نظريات الإلقاء باللائمة على الآخرين سواء كانوا فاعلين حقيقيين أو كانوا من صنع خيال مريض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق