الخميس، 30 أكتوبر 2014

السودان والإتجار بالبشر

وجد الإنسان نفسه على هذه الأرض مواجهاً بقسوة الطبيعة وخطر الوحوش .. لكن الإنسان لم يتأذ من شيء قدر تأذيه من ظلم أخيه الإنسان، فقد عرفت البشرية في مسارها الطويل العبودية والرق والسخرة .. ولما نمت في البشر مشاعر الإنسانية الراقية أدركوا فداحة جريمة الرق التي قاومها الخيرون حتى اختفت الظاهرة المخزية .. لكن بقيت منها ظلال قاتمة متمثلة في استغلال حاجات الناس، فنمت ظاهرة ما يسمي الإتجار بالبشر .. وهي ليست بيعاً كما يتبادر للذهن من التسمية لكنها استغلال بشع لحاجة الناس، حيث تتاجر عصابات في آمال المتطلعين للخروج من حياة البؤس، فيغامر الفقراء بمدخراتهم بل وبحياتهم عل تجار البشر ينقلونهم إلى جنة موعودة في أوربا أو الخليج أو إسرائيل .. ويموت خلال رحلة الآمال الكذوبة المئات على قوارب المغامرات اليائسة وفي متاهات الصحاري المقفرة .. ويموت آخرون تحت وطأة التعذيب لإستخلاص آخر مليم من مدخرات الهارب المسكين ويموت آخرون في عمليات بيع الأعضاء.
شاء قدر السودان أن يكون موقعه الجغرافي معبراً لهذه التجارة التي لا تكتمل فصولها الا عبر قارات كغيرها من الجرائم عابرة الحدود مثل تهريب المخدرات وبيع السلاح .. هذه جرائم تستحيل محاصرتها من قطر واحد مهما بلغت إمكاناته .. هكذا قال مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خلال زيارته للسودان في العام الماضي، حيث أكد أن محاربة الإتجار بالبشر أمر لا يستطيعه السودان وحده، ويجب أن يكون شأناً دولياً.. ولم يقصر السودان في أداء دوره وواجبه، فظل بامكاناته المحدودة يلاحق الظاهرة ويحاصرها، وصادق البرلمان السوداني على قانون خاص بالإتجار بالبشر غلظت فيه عقوبة المتورط في الجريمة .. أهلت هذه الجدية السودان لاستضافة المؤتمر الدولي لمكافحة الإتجار بالبشر الذي عقد بالخرطوم خلال هذا الشهر على أن يعقبه مؤتمر آخر في روما في نهاية الشهر القادم .. هذا هو دور السودان .. لكن أين دور المجتمع الدولي في إعانة السودان الذي لا يمكن أن يتحمل وحده هذا العبء الثقيل؟
أخشي ما أخشاه أن يكون الإبقاء على عقوبات السودان (مبدأ) مقدساً، بحيث لا تمسه (تنازلات) ولو أدت إلى اجتثاث ظاهرة الإتجار بالبشر نهائياً .. هذا احتمال وارد إذا استصحبنا تجارب سابقة لم يف فيها المعنيون بوعود قدموها رغم تنفيذ السودان لشروطهم .. لكن يبقي الأمل في جهات دولية أخرى تؤرقها الظاهرة الخطيرة، وتعمل على معالجتها بكل ما هو ممكن.
وهو ما تنتظره في مؤتمر روما القادم، خاصة إذا أحسن السودان توظيف دوره الكبير لدي المعنيين .. قبل انعقاد المؤتمر بفترة كافية .. ولابد أيضاً ألا تقف المعالجات عند الترتيبات الأمنية بل يجب أن تتعداها لمعالجة جذور المشكلة بمشاريع لمحاربة الفقر في البلدان التي يفد منها المهاجرون المغامرون .. كما ينتظر أن تزيل البلدان المستهدفة بالهجر التعسف البادي في بعض قوانينها، بما يتيح فرص الهجرة بمرونة تجعل تجارة البشر كاسدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق