الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

أبو عيسى والمهدي ذات أمسية قاهرية حزينة!

لا تكمن غرابة اللقاء الذي جرى مؤخراً بين رئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق أبو عيسى والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي فى العاصمة المصرية القاهرة قبل أيام فى أن التوقيت كان بائساً بكل المقاييس. كما أن الاتفاق على توحيد المعارضة وإسقاط النظام لم يكن يمثل الهدف الحقيقي المباشر للقاء، بل ونزعم أنه لم يكن فى حسبان الرجلين على الإطلاق.
غرابة اللقاء ومخرجاته بل وحتى كواليسه (وأحاديثه الهامسة الحزينة) إنما تكمن في أن قياديين قضيا سنوات فى تحالف أطلقا عليه (قوى الإجماع الوطني) عادوا بعد كل هذه السنوات الطويلة للإتفاق على توحيد المعارضة وإسقاط النظام.
من المؤكد أن الفترة الطويلة التي انقضت منذ إنشاء قوى الإجماع الوطني كان الرجلين وبقية رفاقهما مشغولين بأمور أخرى. وما من شك أن اللقاء فى حد ذاته كان مطلوباً بشدة من قبل كليهما، فبالنسبة لأبو عيسى فإن شعوره بالوحدة هنا في الخرطوم بعدما خرج الشعبي من التحالف وتحولت لغته السياسية إلى قدر واضح من النعومة والمغازلة، وبعد ما خرج الأمة القومي هو الآخر ولجأ زعيمه إلى الخارج أملاً في (حل خارجي) وبعد أن انشغلت الأوساط السياسية الداخلية بمؤتمرات الوطني وترشيحاته للرئاسة والإعداد للإنتخابات العامة.
وجد أبو عيسى نفسه وحيداً لا صوت له  لا حس ولا همس فالكل في شغل عنه. المهدي من جانبه كان أكثر شعوراً بالوحدة، فعلاوة على أزمته التي فجرها بنفسه بتوقيعه إعلان باريس مع الجبهة الثورية وفشله -حتى الآن- فى تسويق الإعلان والحصول على مشترين للإعلان عربياً وأوربياً، فهو يكابد هذه الأيام أزمته الخاصة المتمثلة فى حالة حزبه المزرية التي لا تسر عدواً ولا صديق. إذ ليس سراً أن حزب الأمة القومي -حتى مع وجود المهدي نفسه بالداخل- كان يعاني الأمرّين جراء اختلالات تنظيمية متفاقمة فى كل يوم لم يستطع الرجل معالجها وليس بوسعه معالجتها إلا بممارسة عملية ديمقراطية حقيقية، فما بالك والرجل الآن فى منفاه الاختياري وقد ترك (مفتاح الحزب) لأهل بيته.
المهدي لم يجد أدنى وسيلة لمعالجة جراح حزبه وهو نفسه خارج سياق الأزمة وبعيد عن التأثير والإدارة اليومية؟ فى مثل هكذا ظروف تضغط على الرجلين، كان من الطبيعي أن يسعى كل منهما لملاقاة الآخر في محاولة للتسلية والتسرية، ولهذا فإن اتفاقهما على تقوية قوى المعارضة وتوجيهها نحو الهدف الكبير وهو إسقاط النظام كان في الواقع بمثابة (إسقاط سياسي نفسي) وحديث مباشر من عقلهما الباطن.
أبو عيسى بظروفه الحالية ووحشته البالغة وانفضاض السامر من حوله غير قادر على توحيد ما تبقى من قوى الإجماع وهم الحزب الشيوعي والبعث والمؤتمر السوداني، ولا المهدي هناك في منفاه المؤلم والمحزن قادر على توحيد (الأمانة العامة) فقط لحزبه دعك من توحيد حزبه أو توحيد تحالف المعارضة.
ولعل الأمر الأكثر مدعاة للدهشة أن المهدي ما خرج من تحالف المعارضة قبل سنوات إلا بسبب مطالبته المستمرة بما يسميه (إعادة هيكلة التحالف) وهي عبارة مفتاحية يقصد بها المهدي (إنزال) أبو عيسى من كرسي القيادة واستبداله به هو شخصياً! كما أن أبو عيسى على علم تام -وبتفاصيل دقيقة- بموقف المهدي من رئاسته للتحالف، بل مالنا نذهب بعيداً وقد انتاش المهدي قبل أيام أبو عيسى بسهام نارية حادة حين تحدث عن الذين ينتقلون كما العصافير بخفتها المعهودة من عش شمولي الى آخر.
على كل فإن أبو عيسى والمهدي جمعت بينهما الأمسية القاهرية الحزينة تلك ليكما يجدا متنفساً لهما في مواجهة الضغط النفسي الرهيب والشعور المتعاظم بالفشل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق