الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

مناوي وآلام البتر المبرحة!

لم ينتبه الكثيرون -بعد- للأزمة المفصلية الخطيرة التي فوجئ زعيم فصيل حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي بتداعياتها الكبيرة قبل أيام قلائل إثر انشقاق مجموعة معتبرة من قيادات الصف الأول فى قواته.
أزمة مناوي لا تدانيها أزمة الفصائل الدارفورية الأخرى التي أصابها داء التصدع والانشقاق إذ على الرغم من أن تصدع حركة جبريل إبراهيم على سبيل المثال أصابت الحركة بكساح واضح اختفت جراءه من الميدان بصورة واضحة، إلا أنها  ما تزال على أية حال -رغم ضعفها وتراجع أداءها الميداني كثيرا- إلا أنها ما تزال تتنفس ولو صناعياً كدلالة على الحياة!
أما حركة مناوي فهي دون شك لن تتحمل انشقاقها لأسباب خاصة بطبيعتها البنيوية ونشأتها، فمن جهة أولى فإن حركة مناوي فى الأساس هي (فصيل منشق) عن الحركة الأم التي كان يقودها حتى مشارف العام 2005 عبد الواحد محمد نور بينما كان مناوي حينها أميناً عاماً لها وجرت مراسم الانشقاق الشهير فى بلدة حسكنيتة بشمال دارفور فى فبراير 2006 كما هو معروف حيث دعا مناوي لعقد مؤتمر الحركة وحشد له أنصاره من إثنيته الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً على عبد الواحد وجعله يغيب عن المؤتمر وينشئ فصيله الخاص من إثنية الفور والمساليت وبعض الإثنيات الأخرى.
حسابات مناوي فى ذلك الحين قامت ببساطة شديدة على إثنيته باعتبارهم مقاتلين أقوياء وذوي مراس أكثر من غيرهم أو حسبما كان يعتقد. ومن جهة ثانية فإن فصيل مناوي تعرض فى وقت لاحق لضربات قوية ومميتة من قبل حركة خليل فى منطقة قريضة، ولم يعرف على وجه التحديد سبب ذلك الهجوم الضاري الذي شنته حركة خليل وكادت تفنى فيه حركة مناوي عن بكرة أبيها حوالي العام 2008 قبل أن تتدخل القوات الحكومية وترد الهجوم ووقتها كان مناوي كبيراً لمساعدي الرئيس موقعاً على إتفاق أبوجا 2006.
ذلك الهجوم غير المسبوق على حركة مناوي أضعف كثيراً جداً من وجود وقوة الحركة وهو أمر يفسره بوضوح جنوح مناوي نحو الالتحاق بالجبهة الثورية بإصرار وارتضاؤه -تحت ضغط الحاجة- العمل في الصراع الجنوبي الجنوبي لصالح الجيش الشعبي الجنوبي وحرصه اللامحدود على أن يظل داخل سياج آمن مع بقية الحركات المسلحة.
ومن جهة ثالثة فإن حركة كناوي ذات الطرح العلماني مع ضعف موقفه السياسي بين بقية الحركات الدارفورية كونه سبق وأن وقع اتفاقاً في ابوجا مع الخرطوم ثم نكص عنه ولم يحقق من خلاله لا لدارفور ولا للقضية التي يقاتل من أجلها أدنى شيء يجعله شديد الحساسية للغاية حيال أي انشقاق يعمق جراحه.
وهكذا وعلى الأقل بسبب هذه الأسباب إجمالاً فإن فصيل مناوي لا يحتمل مطلقاً أي انشقاق يدفع بقادة من جيشه باتجاه التصالح مع الخرطوم، فمثل هذه الخطوة عصية على النقد من جانبه لأنه سبق وأن أنشق عن الحركة الأم من جهة، كما أنه سبق وأن تصالح مع الخرطوم من جهة أخرى.
بمعنى آخر فإن فقدان مناوي لمنطق انتقاد من انشقوا من حركته حديثاً مساوٍ ومماثل تماماً لفقدانه لجزء معتبر من حركته من المستحيل أن ينجح فى استردادهم. أما أسباب الانشقاق نفسها وكما عبر عنها عدد من الضباط المنشقين فهي -ببساطة شديدة- تتمثل في غياب الرؤية والنظر الاستراتيجي وملل هؤلاء القادة من الحرب والقتال فى الميادين الجنوبية التي لا طائل من ورائها، فقد حول مناوي الحركة إلى شركة حربية، يقبض المال ويتسلم السلاح ثم يخوض الحرب.
إن نموذج مناوي هو نموذج الشاب الغاضب الذي لم يستطع أن يتحول إلى سياسي وطني حقيقي لما يجاوز العشرة أعوام، ولهذا كان من المحتم أن تفضي به مواقفه غير المتوازنة إلى هذا المصير المظلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق