الاثنين، 26 فبراير 2018

لماذا لم يخرج السودانيون ضد الحكومية الحالية؟

بإمكان المتابع اللصيق للشأن العام فى السودان ان يلحظ ما يمكن اعتباره تحولاً رئيسياً ومفصلياً فى اوضاعه السياسية حيث لم يعد هذا البلد ضعيف البنية السياسية، هش العظام، قابلاً للسقوط لأقل عثرة أو عارضة. ففي خضم الازمة الاقتصادية التي تصاعدت فى الاسبوعين الماضيين لم تهتز اقدام النظم الحاكم، ولا تأثرت المفاصل ولا حجر الاساس الصلب الذي تقف عليه. ولمن يعرف طبيعة هذا البلد جيداً فان ازمة كهذي -فى السابق- كانت تتصدع لها الجبال السياسية وتهدر لها الرعود و البروق. وتجري فيه ألسنة السياسة المعتادة، سقوط النظام ثم فترة انتقالية ثم عودة للأحزاب وهكذا.
الذي حدث ويحدث الآن، القاعدة الشعبية العريضة اكتسبت خبرة سياسية أكبر ووعي سياسي أشمل، فالملايين الذين ربما لا ينتمون مباشرة الى حزب المؤتمر الوطني تحديداً على وعي وإدراك تامين بضرورة ترسيخ نظام سياسي مستقر، قابل للتطوير والإصلاح بحسب ظروف الحاضر والتحديات وإمكانية التغلب على الازمات.
نادراً جداً ما تجد الآن فى السودان من يتطلع الى اسقاط حكومة الوفاق الوطني الحالية. القدر الضئيل الذي تجده يتمثل في قادة ومنسوبي بعض الاحزاب المعارضة بحكم الغبن التاريخي وبحكم شهوة العودة الى السلطة. الحكومة من جانبها -وهذا مكمن حرص السودانيين عليها- أثبتت قدرة فائقة على تخطي الازمات ومواجهة المصاعب والمصائب بجلد ومثابرة.
اذا أمعنت النظر جيداً فى تاريخ الحكومة الحالية منذ العام 1989 ستجد أنها واجهت أحلك الظروف وأسوأ السناريوهات، أصعب المواقف وأخطرها سواء فى حرب جنوب السودان المدعومة دعماً يفوق التصور على ايام قرنق حين كان الدعم متاحاً للحركة الشعبية حتى من دول الجوار، او على صعيد الازمة الاصعب فى اقليم دارفور و صدور ما يفوق الـ20 قراراً من مجلس الامن بعضها تحت الفصل السابع، وما أدراك ما الفصل السابع، وبعضها قضى بإحضار قوات دولية بعشرات الالاف الى الاقليم!
وبعضها أحال الحالة الى محكمة الجنايات الدولية ومذكرات التوقيف الشهيرة التي تخطت عامها التاسع بلا جدوى ولا معنى ولا آفاق. كل هذا فى الخلفية المباشرة لهذا المشهد المعقد عقوبات أمريكية لاهبة بسياط تدمي الظهر ومع ذلك فقد تغلبت الحكومة على كل ذلك وعادت عزيزة مكرمة الى المجتمع الدولي.
من المؤكد ان ذكاء السودانيين قد أدرك ان هذا النموذج الذي يراه مفارق لكل النماذج والحكومات التى عرفها وان ترسيخ هذا النموذج مع المعاونة فى اصلاح ما يتطلب الاصلاح ودعم ما يستحق الدعم افضل بكثير من دفع الامور باتجاه الفوضى والخيارات المجهولة!
لكل هذا فإننا قلنا إن السودان حدثت فيه تحولات بنيوية لا ينكرها إلا مكابر، ولا شك ان هذه التحولات ايجابية للغاية حتى وان بدت لبعض غير ذلك، فهي تزيد من قوة وتماسك الجبهة الداخلية، أحدهم عناصر قوة هذا البلد، وتتيح تفصيل نظام سياسي ابعد ما يكون عن الحلقة الشريرة المتوارثة تاريخياً، ويقلل من فرص التناحر والخلاقات السياسية الجوفاء بين الاحزاب السياسية.
 كما يمكن ان تسهم هذه التجربة فى اعادة تنظيم القوى السياسية على أسس و معطيات جديدة. المهم ان السودان قد تغير وشعبه يواكب هذا التغير، وفي مثل هذه الحالات فى التاريخ فان المستقبل القريب والبعيدة معاً سيكون افضل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق