الأحد، 26 نوفمبر 2017

السودان وروسيا.. إستراتيجية التوازن في العلاقات الدولية!

زيارة الرئيس السوداني -الأسبوع الماضي- إلى روسيا يمكن اعتبارها واحدة من ابرز خطط إستراتيجية السودان الميالة نحو التوازن في العلاقات الدولية. حسن إدارة السودان لعلاقاته الدولية منذ نيله استقلاله  1956 جعت منه بلداً بعيداً عن المحاور و
الأحلاف المقيدة. الزيارة بدت ذات بعد استراتيجي من عدة وجوه مهمة:
أولاً، أكدت على اهتمام السودان بالشرق عموماً قدر اهتمامه بالغرب. بمعنى أدق فان طبيعة التعاطي الدبلوماسي السوداني تجنح نحو إيجاد معادلة متوازنة للغاية في العلاقات الدولية بحيث يصعب إن لم يستحيل تصنيف السودان ضمن محور او تحالف بعينه، وهذه السياسة في واقع الأمر تتيح لهذا البلد ان يحقق مصالحه ويمد جسوره مع الجميع و تلك إستراتيجية طويلة المدى وراسخة مهما كانت طبيعة الأنظمة و الحكومات في هذا البلد، ففي التاريخ القريب تنقل السودان ما بين القطبين كثيراً ولكنه في كل الأحوال حرص على مد جسوره مع الكل بحيث لم تأتي عليه حقبة تاريخية فقد فيها علاقاته بالدول الكبرى في العالم.
ثانياً، ربما تشير الزيارة أيضاً -وهذا امر استراتيجي حيوي- إلى أن تحسن علاقات السودان مع الولايات المتحدة أخيراً و قيام واشنطن برفع العقوبات وبداية طريق التطبيع لا يعني ان يضع السودان البيض كله في السلة الامريكية! السودان يحاول ان يثبت بموضوعية انه يدير علاقاته وفق مصالحه ووفق حساباته الدولية، ولا يرهن علاقاته لطرف على حساب طرف، كما انه ظل قادراً على احتمال حالة الشد و الجذب في علاقاته الدولية.
 ثالثاً، علاقات السودان بروسيا ظلت إستراتيجية منذ مدة طويلة والكل يعلم ان السودان ظل يمد جسوره مع روسيا في شئون عديدة تخص المنطقة و النطاق الدولي مثل المحكمة الجنائية الدولية و قضية اقليم دارفور و قضية الحرب في سوريا وكيفية معالجتها و يوجد تطابق معقول في المواقف ووجهات النظر بين السودان و روسيا في قضايا دولية إقليمية كثيرة جداً، لهذا فان البعد الاستراتيجي في هذه العلاقات لا يمكن ان تخطئه عين.
رابعاً، هناك تعاون اقتصادي في مجالات عديدة بين السودان و روسيا أبرزه الاستثمار في مجال التعدين. لقد عقد السودان و روسيا سلسلة من الاتفاقيات المهمة في هذا الصدد خاصة وان روسيا تتمتع بخبرة جيدة في مضمار التعدين يصعب تجاوزه، وعلى ذلك فان الزيارة أولت هذا الجانب الاهتمام المطلوب.
خامساً، المباحثات التى جرت بين الرئيسين، بوتين و البشير فيما يخص إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر تأتي في سياق إيجاد توازن مهم ومطلوب في ظل التحركات العديدة لعدة جهات دولية و إقليمية في ذات المنطقة، إذ انه من الطبيعي ان يحرص السودان على ان يكون هناك توازن في القوى العسكرية في المنطقة و على مستوى العالم لصيانة الأمن القومي للدولة من جهة، و لصيانة الأمن القومية للإقليم لان من الأمور البديهية في علم الاستراتيجيات ان تتخذ الأوضاع معادلة تحقق القدر المطلوب من التوازن.
و أخيراً فان السودان يعي جغرافيته، ويعي طبوغرافية المنطقة و يدرك ان القوى الدولية التى تحركها مصالحها الاستراتيجية لابد ان إيجاد منفذ معها للتعاون و توطيد التعاون و خلق نوع من الأخذ و العطاء في العلاقات، هذا بجانب الفوائد الثنائية الطبيعية التى عادة ما تحققها مثل هذه الزيارات، مثل تبادل الرؤى و الأفكار وتطوير التفاهمات المشتركة و إيجاد محور ثنائي لعلاقات إستراتيجية مستدامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق