الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

سيفعلها السودانيون!

أسفرت جلسة الحوار غير الرسمي بين وفدي الحكومة والحركة الشعبية في أديس أبابا، عن تفاهمات على حل سلمي متفاوض عليه لوقف الحرب، وإجراء الحوار الوطني الشامل بحيث يلتحق به الجميع، أحزاب وحركات مسلحة، بعد لقاء تحضيري في أديس نفسها.
لأول مرة أعتقد أن الطريق قد تكلما بلغة الرغبة في الوصول إلى سلام بعد سنين طويلة من الصراع الذي راح ضحيته الأبرياء، وليس القيادات السودانية المتعنتة، فهؤلاء أيديهم في الموية وليس في النار مثل مواطني مناطق الحرب المكتوين بنارها.
الغريبة أن الحل واضح ولا يحتاج إلى كثير جدال.
فلابد من وقف الحرب أولاً ثم العمل على إسعاف وإغاثة المتضررين في مناطق النزاع كلها.
ولابد من الاتفاق بوضوح على جيش واحد قومي ومحترف، بعيداً عن صراعات السياسيين ومنافستهم على الكرسي.
جيش وظيفته حراسة البلاد وحدودها وليس حماية الأنظمة الحاكمة ولا نصر أحد الأطراف الحزبية حتى يقول: النجمة أو الهجمة!
والحل النهائي الشامل هو في نظام ديمقراطي، يضمن الحريات العامة، وإقامة انتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة، يقوم فيها الفائز بتشكيل الحكومة وليس الإنفراد بالبلاد، حيث يحكم في إطار دستور متراض عليه، يضمن جميع الحقوق، وتوازن السلطات واستقلالها عن بعضها، كما يضمن الحد الأدنى من المتفق عليه من سياسات كلية، كنوع الحكم (فيدرالي، إقليمي الخ) ومستوياته وحقوق كل مستوى، كما يضمن حقوق الأقليات الثقافية والعرقية والدينية.
ولابد بداهة من الرضا بنتائج الانتخابات أياً كانت.
فالبعض يعيش في وهم ويظن أنه لابد أن يكون حاكماً في كل الأحوال.
ولكن على الأحزاب جميعها توطين نفسها مسبقاً على قبول إرادة الشعب، أو الأغلبية على الأقل، والتي قد تقذف بالحاكم إلى كنبات المعارضة الخلفية، وقد تقفز بالمعارض المنبوذ إلى الحكم (لماذا يقولون سدة الحكم؟ المطلوب الحكم ذاااتو!).
أعتقد أن المسألة محتاجة فقط إرادة سياسية وثقة متبادلة.
الثقة هي مفتاح كل شيء فلو اطمأنت الأحزاب والحركات إلى عدالة النظام السياسي وحرية العمل السياسي، فإن أغلبها إن لم تكن كلها، سترضي بقواعد اللعبة وتمارسها.
ولو اطمأنت الحكومة إلى عدم وجود نية خبيثة للإقصاء والاستعانة بـ(أصدقاء) من خارج الملعب، فإنها لن تجد حرجاً في فقدان السلطة إلى حين انتخابات أخرى قد تعيدها للحكم في إطار دولة مستقرة، تعيش سلاماً حقيقياً وتوافقاً سياسياً واجتماعياً.
لذلك أقول وبثقة، سيفعلها السودانيون، كما فعلوها في ديسمبر 1955م، حيث ذابت فجأة الفروقات المصطنعة بين الاتحادي والاستقلالي، واتفق الجميع على قرار الاستقلال.
لن يكون صعباً أن يتفق الجميع على العودة إلى العقل، والى نصائح الواثق كمير، لكي يكونوا واقعيين، ويعلوا قيمة الوطن على حساب قيمة الحزب والإنتماء الضيق والمصالح الذاتية، والمناورات.
أرى في آخر النفق وميض نور، وأراهن أن سيكون له ضرام ضخم في المستقبل القريب!
ليس سراً أن ياسر عرمان قارئ جيد، للكتب كما للمواقف السياسية والحقائق.
وليس سراً إن الحكومة قبل أن تكون قد أرهقت ذلك الإرهاق الخلاق من الحروب والصراعات، قد أدركت أن الإنفراد بحكم السودان غير ممكن، بل غير مرغوب ولا مفيد، وأن الاختلاف بين حزبها والأحزاب الأخرى هو شعرة رقيقة تكاد لا تري، يحجبها فقط عدم الثقة عدم الثقة.
ولكنها الآن مطمئنة إلى وطنية وإخلاص الجميع، وقد تخلصت من التوجس والحذر والخوف المرضي السابق، من فقدان السلطة أو مشاركة الآخرين فيها.
مرحباً بعهد ديمقراطي يولد من حوار شامل، لنبدأ بعدها الجهاد الأكبر، معركة التنمية والبناء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق