الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

شراكة استراتيجية للاستقرار السياسي والأمني في أفريقيا

عانت القارة الأفريقية من الحروب والنزاعات التي عطلت التنمية والتعليم ، مما أدخل المجتمع الأفريقي في فقر وبؤس وعدم استقرار سياسي وأمني. لم يلتفت قادة القارة للاسباب الحقيقية التي وراء ذلك الوضع عقب الاستقلال من الاستعمار الأوربي.
كانت النظرة لأفريقيا من قبل الغرب أنها أرض الموارد الطبيعية والعبيد لا حضارة لها ولا اسهام في التاريخ الإنساني ، لذلك أُستبيحت من قبل الاوروبيين. حيث كتب الفيلسوف ديفيد هيوم عن أفريقيا فقال: إن إنسان أفريقيا « لايملك شيئاً من الصناعات والعلوم والفنون» وقال ترولوب: إنه لا يعرف شيئاً يقربه من الحضارة التي يعيشها زميله الإنسان الأبيض، يقلده كما يقلد القرد الإنسان». خلقت تلك الكتابات صورة ذهنية مشوهة عن الإنسان الافريقي مستندين على العوامل العرقية ، وطرح صورة لافريقيا أقرب للخرافة والأسطورة منها إلى الحقيقة، وتهدف من ذلك كي تسوغ للشعوب الاوروبية حملاتها الاستعبادية على أفريقيا.
استخدم الآباء الأوائل في مرحلة الوعي الافريقي منذ عشرينيات القرن الماضي الشعر والأدب لمواجهة الهجمة الاستعبادية على أفريقيا ، ثم النضال العسكري للتحرر ، وبدأت ردة الفعل الاوروبية تروج إلى أنهم ليس الجناة في التخلف الافريقي .حيث وضعوا أنفسهم على سدة القاضي ، ووضعوا أفريقيا وتاريخها في قفص الإتهام ، كما قال «الاستاذ عبدالرحمن شلقم في كتابه أفريقيا القادمة».
أن الوقوف عند أفريقيا الماضية يجعلنا نضع آذاننا بين أدغالها لنتجاوز آثار القرون الخمسة التي قضتها أفريقيا تحت الاستعباد التي بقيت فوق أرض أفريقيا وفي الرؤوس وفوق الأجساد.. وبقيت في نظريات محرقة ظالمة صاغها باحثوا الغرب وعلماؤه. وبقيت آثار تلك السنون في نظم اجتماعية وسياسية واقتصادية لم يستطع الأفارقة منها فكاكاً. وبدأت مرحلة التيه التي تتجسد في شكل انقلابات عسكرية هنا وهناك على أرض القارة ، وفي صراعات إقليمية تتأثرا بالصراعات الدولية والتوازنات ورغبات التوسع ، علاوة على النزاعات المستمرة على السلطة والحرب والممارسة السياسية السالبة والحركات السالبة والمتمردة واللجوء للقوة في حسم الخلافات والبعد عن التوافق. تزامن مع ذلك تسليط وتوظيف إعلام سالب وموجه لضرب الاستقرار السياسي والأمني في أفريقيا، مستغلين في ذلك أزمات البطالة والهجرة غير الشرعية واللجوء والنزوح بسبب النزاعات والصراعات المسلحة المفتعلة. فقد شهدت أفريقيا أكثر من ستين انقلاباً عسكرياً ، لقيادة سكان يبلغ عددهم أكثر من 550 مليون نسمة يعيش أغلبهم تحت حد الفقر كما حددته الأمم المتحدة ، في حين أن أفريقيا تنتج 75 في المئة من الماس في العالم ،و70في المئة من الذهب ، و45 في المئة من البلاتين ، و35 في المئة من الكروم و25 في المئة من اليورانيوم. لذلك نريد أن تقفز أفريقيا فوق الخط الذي رسمه لها الاستعباد. وعنئذ يقرع جرس الحرية والحقيقة والاستقرار السياسي.
إذاً المرحلة الجديدة تحتاج إلى فكر جديد قوامه الحرية والعدل والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف والتطرف والارهاب علاوة على وضع الخطط الاستراتيجية التي تحقق المصلحة الافريقية ، في ظل وضع عالمي يتجاذبه الصراع الاستراتيجي حول الموارد. كما يحتاج الوضع إلى ترتيبات قوامها التسلح بالعلم والبحث العلمي، والفكر الاستراتيجي العميق ، والتطور التكنولوجي الذي يرتكز على تبادل المصالح « التكنولوجيا مقابل الموارد»، وعلى الشراكات العادلة والمنصفة مع الفاعلين الدوليين في القضايا مسار اهتمام المجتمع الدولي كالتطرف والارهاب والقرصنة والهجرة غير الشرعية وتجارة البشر، والعمالة والارتزاق والجرائم العابرة للحدود.
تجئ الشراكة الاستراتيجية للنهوض بأفريقيا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إمتداداً لمجهودات الآباء الأوائل الذين اجتهدوا وجاهدوا وناضلوا من أجل استعادة حقوقهم وحريتهم التي سلبوها ومواردهم التي نهبوها . فكان الاستعباد الأوروبي هو المتهم الأول في تخلف القارة الافريقية. تحديات غير تقليدية ممثلة في عدم الاستقرار السياسي الذى تساهم فيه بعض دول القارة بإيواء الجماعات المعارضة المتمردة، مما يتطلب حوارا سياسيا يضع أسسا للتوافق السياسي الداخلي، والاستفادة من تجارب دول القارة» تجربة السودان وتونس».
إن العوامل السياسية والتكتلات الاقتصادية التي تسود العالم أنتجت تصوراً جديداً لمسار المصلحة القومية لأفريقيا ، وفهما جديدا للصراع الاستراتيجي الذى يستخدم أدوات ووسائل غير تقليدية لتحقيق الأهداف، مما يتطلب رسم الخطط الوفاقية المبنية على الحوار الهادف الذي يمكن من إعادة وتوجيه السياسة الافريقية لعمقها الداخلي ويسمح بتنوع شراكاتها الاقتصادية من جهة ،والدخول في السياسات الأمنية في المنظومة الدولية من جهة أخرى. ولا يمكن أن تكون الرؤية السياسية ذات المحور الواحد قادرة على الانسجام مع أهداف ومتطلبات المجتمع الافريقي، ولا مع واقع العلاقات الدولية. هذا يقود إلى أن الحوار الفكري الشامل هو المحفز الأول لإدارة حوار شامل تجاه مشاكل الاستقرار السياسي والأمني في أفريقيا. وأن لا تستغل الأراضي الافريقية لتصفية الصراعات الدولية ،وتنفيذ الأجندة الخارجية.
تعتبر الخطوة التي أقدم عليها السودان بقيام الملتقى الفكري الأول الذي ينعقد في الخرطوم يوم الأربعاء 27/9/2017م تحت شعار « الاستقرار السياسي في أفريقيا .. التحديات وآفاق المستقبل» هي الأولى والأساسية في وضع القارة أمام المدخل الصحيح لإدارة حوار شامل حول القضايا التي من شأنها أن تجعل من أفريقيا قارة متخلفة وغير ناهضة. فالاتفاق على الثوابت الكلية التي تحقق الاستقرار السياسي والأمني باعتبارهما مدخل التنمية الحقيقية.
من أهم مقومات الاستقرار السياسي هو التوافق الداخلي والتداول السلمي للسلطة والمساواة وتوزيع الثروة ، والإبتعاد عن المؤامرات «التي تحيكها بعض الدول الافريقية ضد بعضها البعض» ، واللجوء إلى حل الخلافات بآلية الحوار بدلاً من آلية الحرب، ونبذ العنف والتطرف والارهاب وحسم الحركات السالبة التي تسعى لزعزعة الاستقرار بالنهب والإرتزاق الذى عانت منه القارة الافريقية كثيراً، وأصبح يؤرق مضاجع الدول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق