الثلاثاء، 25 يوليو 2017

الثمار الإيجابية لجـولة البشير الخليجية

يبـدو أن ثمـار جـولة رئيس الجمهورية إلى كل من الإمارات والسعودية, قد أينعت وبدأت تـؤتي أكلها، سواء على صعيد تعزيز علاقات السودان بدول الخليج، أو على صعيد العلاقات السودانية الأمريكية المرتكزة على حدود آمال مرتجاة برفع العقوبات الاقتصادية.  
أول قطفة لثمرة جولة رئيس الجمهورية الخليجية، كانت على يــد وزارة الخارجية الأمريكية التي رحبت بقبول الخرطوم طلب الرياض بالاستمرار في الحوار الإيجابي مع واشنطن, والتراجع عن قرار رئيس الجمهورية بتجميد عمل لجنة التفاوض مع الإدارة الأمريكية، والذي جاء كرد فعل لقرار تمديد رفع العقوبات الأمريكية .
الترحيب الأمريكي المتسارع بقرار الخرطوم القاضي باستمرارها في الحوار الإيجابي مع واشنطن، يؤكد مدى انزعاج البيت الأبيض من تبعات قرار تجميد عمل لجنة التفاوض وقطع ( صرة ) الحوار ما بين الخرطوم وواشنطن، فواضح أن الأخيرة كانت ( مرتاحة ) جدا من المعلومات القيمة التي ظل يقدمها السودان منذ إعلان الرفع الجزئي للعقوبات في فبراير الماضي، باعتراف الإدارة الأمريكية نفسها والتي أعلنت في أكثـر من منبـر وفي غيـر ما مناسبة ، أن الحكومة السودانية تعاونت معها بشكل كبير في ملف مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، قبل أن يأتي التقريـر السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية ويقطع قـول كل خطيب، باشتمال صفحاته على حزمة من المدح والإشادة, اعتبرت أكبر شهادة، تعلق على جدار التعاون المشترك بين الحكومة السودانية والإدارة الأمريكية حول مكافحة الإرهاب .
  تقرير الخارجية الأمريكية الإيجابي تجاه السودان، صدر في وقت ظلت فيه علاقة البلدين سحابة من التوتـر عقب تمديد إدارة الرئيس ترمب قرار رفع العقوبات الاقتصادية لثلاثة أشهر تنتهي في أكتوبر المقبل، فقابلت الخرطوم قرار التمديد بقرار تجميد عمل لجنة التفاوض مع واشنطن، وهي الخطوة التي وجدت الاستحسان والقبول من معظم الأوساط السودانية، لمنطقية القرار وعدم جدوى وجود اللجنة طالما أن النتيجة النهائية كانت سلبية، خاصة أن وزارة الخارجية الأمريكية أقرت في تقريرها بإحراز الخرطوم تقدما كبيرا ومهما في المسارات الخمسة التي تم الاتفاق عليها مع إدارة الرئيس السابق ( باراك أوباما ) من أجل التوصل إلى قرار برفع العقوبات، ونزع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب .
 كثير من المراقبين توقع أن تدخل علاقة الخرطوم بواشنطن في بيات شتوي عقب قراري تمديد رفع العقوبات وتجميد لجنة التفاوض من الجانب السوداني، بيد أن زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة إلى كل من الإمارات والسعودية، مثلت فتحا جديدا في عـلاقة الخرطوم بواشنطن، خاصة عقب استجابة الرئيس عمر البشير لطلب من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، باستئناف التفـاوض مع الإدارة الأمريكية من أجل رفع العقوبات الاقتصادية .
إعادة الحياة إلى رئة الحوار السوداني الأمريكي، خطوة سيكون لها ما بعدها، ليس على صعيد التفاوض بشأن رفع العقوبات الأمريكية فحسب, وإنما على صعيد قضايا أخرى، باعتبار أن طاولة الحوار بين البلدين ستشمل قضايا متعلقة بتقديم السودان دفوعاته بشأن جهوده لتحسين حالة حقوق الإنسان، رغم وجود بعض التفلتات في بعض مناطق النزاعات مما ينعكس سلباً على واقع حقوق الإنسان، وأعتقد أن الخرطوم ستطلب من واشنطن الضغط على الحركات المسلحة من أجل استئناف العملية السلمية لتجاوز ملف حقوق الإنسان ( الذريعة التي مددت بسببها واشنطن رفع العقوبات تسعين يوماً أخرى ).
   قطعًا السودان في مأمن طالما أن يـد السعودية والإمارات تحفه بعناية متعاظمة، إذ عكست زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة إلى السعودية هذه العناية والحرص الواضح من خلال ما حظي به الرئيس البشير من اهتمام كبير من الجانب السعودي الذي أبـدى حفـاوة غير عادية برئيس الجمهورية والوفـد المرافق له، مما يؤكد أهمية السودان ووجوده الفاعل بالنسبة للسعودية بشكل خاص ودول الخليج بصفة عامة في إطــار التحالفات الاستراتيجية التي تنتظم المنطقة والمرتبطة بحفظ الأمن وتعزيز الاستقرار، فلم يكن مستغرباً أن تتفق الخرطوم والرياض في نهاية مباحثات البشير وخادم الحرمين وولي عهده على الاستمرار في التحالفات الاستراتيجية بشأن اليمن، مع تأكيد الحكومة السودانية على مواصلة دعمها وإسنادها للمملكة العربية السعودية في سعيها المتواصل لتحقيق وحدة وتماسك الشعب العربي، وحماية أراضيه من التمزق والشتات، عطفاً على ما تشهده المنطقة من حروب ونزاعات .
فما ضـر السودان طالما أن علاقته الاستراتيجية بدول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية تتطور يوما بعد يوم، وقناعتي أنه لولا التوتر الذي يضرب بنية علاقة دول منطقة الخليج العربي جراء الأزمة الحالية، لكان السودان أكثـر فائدة الآن من أي وقت مضى، فالواضح أن الخرطوم قد قرأت ( ولأول مـرة ) وبشكل صحيح مجريات الأحداث الأمنية والتحولات السياسية المتوقعة في منطقة الخليج العربي، فالتقط السودان القفاز وغسل يـده من علاقته بإيران، ليخطب بذلك ود المملكة العربية السعودية، ويكسب تعاطف جميع الدول الخليجية، خاصة بعد مسارعة الحكومة السودانية بالمشاركة في عاصفة الحزم ضمن التحالف العربي لاستعادة الأمل والشرعية في اليمن، فحازت بذلك على احترام وتقديـر دول مجلس التعاون الخليجي، لتأتي الحكومة السودانية وتبلور حكمتها بالوقوف على مسافة واحدة مع دول الأزمة الحالية في الخليج وإعلانها صراحة حيادها وحرصها على إصلاح ذات البين، بين الأشقاء من خلال دعمها ومساندتها لمبادرة أمير دولة الكويت، وتجديد الثقة في حكمة وقدرة قادة دول المجلس على تجاوز الأزمة الراهنة بما يضمن تماسك المنظومة الخليجية ويحفظ مصالح دولها الشقيقة، ولا أعتقد أن كل هذه الخطوات تمت من غير دراسة أو جاءات مصادفة، مما يشيـر إلى حنكة سياسية تتعاطى بها الحكومة السودانية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق