الخميس، 27 أبريل 2017

“نذير مبكر”

ملف مكافحة الإرهاب أصبح من الملفات المهمة بالنسبة للحكومة السودانية، وربما ظل يمثل لها الهاجس الأكبر، الأمر الذي دفعها لتجعله في مقدمة ملفاتها الاستراتيجية التي تعمل على إنجازها في المرحلة القادمة.
فعقب جلسة المباحثات بين عوض محمد أحمد بن عوف وزير الدفاع الوطني والجنرال منصور محمد دان وزير الدفاع النيجيري، أكد بن عوف تعاون البلدين في كافة المجالات، وخاصة في مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى دور نيجيريا الكبير في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المحيط الأفريقي، وأشار ابن عوف إلى دور نيجيريا في تحقيق السلام في السودان، ومشاركتها بأكبر قوة في بعثة حفظ السلام الأممية بدارفور (يوناميد)، مؤكداً أهمية التعاون بين البلدين في القضايا المشتركة بما يخدم البلدين والإقليم.
وفي ذات المنحى، قال الجنرال منصور دان: “لدينا تعاون مشترك في كافة القضايا”، وشدد على أهمية التعاون بين البلدين، اللذين تربطهما علاقات أزلية، من أجل صيانة الأمن وحفظه في كل القارة الأفريقية، ومواجهة التحديات التي تواجهها، وأكد دان في التصريحات الصحفية التي أدلى بها عقب انتهاء جلسة المباحثات بينه وبين نظيره السوداني، أكد أهمية تطور التعاون والتنسيق بين البلدين في كافة المجالات خاصة الأمنية والعسكرية، وتشمل زيارة وزير الدفاع النيجيري تفقد قوات بلاده في بعثة (يوناميد) بدارفور.
وتشير المتابعات إلى أن الجيش النيجيري خاض حرباً شرسة ضد حركة (بوكو حرام) التي أنشئت في عام 2002م، ومنذ عام 2009م بدأت الحركة النيجيرية المتشددة في القيام بأعمال إرهابية بهدف تطبيق الشريعة، وفي مارس من عام 2015م قبلت (داعش) بيعة (بوكو حرام) التي كانت قد أعلنت بيعتها في بداية ذات الشهر، وذلك بعد بث شريط صوتي على الشبكة العنكبوتية، ومنذ ذلك الوقت ظلت الحركة التي أعلنت ارتباطها بداعش تمثل خطراً داهماً على الحكومة النيجيرية.
وكان فريق خبراء الأمم المتحدة الخاص بحظر السلاح في السودان، حذر من تحول إقليم دارفور المضطرب إلى (تربة خصبة محتملة) لتسلل الإسلاميين المتطرفين بالنظر إلى الحدود التي يسهل اختراقها والتضامن الأسري بين القبائل الحدودية مع عدة دول، بينها (أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والنيجر)، وبحسب تقرير فريق الخبراء إلى مجلس الأمن الدولي في الثاني عشر من ديسمبر من العام قبل الماضي والذي نظرت فيه اللجنة فيما بعد، أن البيئة الإقليمية المباشرة لدارفور شهدت تدهورا ملحوظا نتيجةً للاضطرابات الناجمة عن أنشطة الحركة الإسلامية المتطرفة في ليبيا ومنطقتي الساحل والشرق الأوسط.
التداخل الديمغرافي بين السودان والدول المجاورة هو الآخر يعتبر من المهددات الرئيسة لأمنه القومي، لاعتبارات كثيرة أبرزها أن تلك الدول شهدت اضطرابات داخلية بسبب الثورات المسلحة التي اندلعت فيها، الأمر الذي ساعد في عملية تدفق السلاح نحو دارفور ومن بين تلك الدول دولة جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ودولة تشاد وليبيا، وتجاوز الأمر دول الجوار وامتد إلى دولتي (مالي والنيجر) التي عبر بعض مواطنيها إلى الأراضي السودانية واستقروا في بعض المناطق بدارفور.. الأمر ذاته دفع بعض المتابعين للتخوف من أن تجد الجماعات الإسلامية المتشددة مساحة لاستقطاب بعض القبائل والتي ربما تلجأ لذلك الخيار بغرض حماية نفسها في إطار التحالفات الدائرة في الإقليم.
دول الجوار السوداني ممثلة في دولة جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ودولة تشاد وليبيا، أصبحت بقصد أو بدونه تشكل مهددا رئيسا للأمن القومي السوداني، ويتضح ذلك جليا من خلال تأثير تلك الدول المباشر في الصراع الدائر بإقليم دارفور.. الأمر ذاته دفع بعض المتابعين للتخوف من إمكانية تسلل بعض الجماعات الإسلامية المتشددة من تلك الدول ودخولها إلى إقليم دارفور الذي تعتبره بعض الجماعات أرضية صالحة لعملها.
وفي الأيام الماضية، كشفت تقارير عن اتفاق بين السودان والولايات المتحدة على استضافة الخرطوم محطة لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) ضمن شراكة لمكافحة الإرهاب، وينتظر أن تزور (جينا هاسبل) نائبة مدير الوكالة الخرطوم في مايو المقبل لإتمام الشراكة، وأشار تقرير لـ(آفريكا انتلجنس) إلى أنه بموجب الاتفاق ستحتضن الخرطوم محطة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لمراقبة الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وتأسيس شراكة بين الخرطوم وواشنطن ضد الإرهاب.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية رحبت في بيان صدر عنها في سبتمبر الماضي بجهود الحكومة السودانية في مكافحة الإرهاب وتعاونها المتزايد مع واشنطن.. وربما تأتي المباحثات التي أجراها وزير الدفاع السوداني مع نظيره النيجيري، في إطار الدور المطلوب من الخرطوم وأبوجا في المجالات الأمنية والعسكرية ومكافحة الإرهاب الذي يهدف لمحاصرة جماعة (بوكو حرام) والقضاء عليها، حتى لا تتمدد في المنطقة وخاصة إقليم دارفور المضطرب.
ولكن ثمة من يرى أن ثقافة مجتمع دارفور والإسلام الشعبي الذي يتسم بالطابع الجماعي، يجعل من الصعب اختراق المجتمع الدارفوري ذي الخلفية (الأنصارية والتجانية)، والطريقتان اللتان يتبعهما معظم أهل الإقليم هما عاملان مقاوِمان للأيديولوجية الإسلامية المتطرفة، إلى جانب انتشار الطرق الصوفية الأخرى في الإقليم، الأمر الذي يجعل مقدار التهديد الفعلي أو المحتمل الذي تشكله الحركات الإسلامية المتطرفة على الأمن والاستقرار في دارفور أمراً بعيد المنال بالنسبة لتلك الجماعات المتطرفة، لجهة أنها جماعات غير مرغوب فيها ولا ينجذب إليها أهالي دارفور الذين يتسمون بالتسامح ويميلون إلى التدين الشعبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق