الخميس، 20 أبريل 2017

المنبوذ!!

ربما كان الطالب الشاب حينها وهو يهرب من الخرطوم متخفياً تلاحقه واقعة جنائية، ويلتحق بمعسكرات الحركة الشعبية يضع في حساباته أنها (مغامرة)! وهي على أية حال ليست أسوأ من مغامرة مواجهة محاسبة قضائية في الخرطوم قد تنتهي به إلى غرفة الإعدام بسجن كوبر العتيق!!
ولا شك أن مخاوف عرمان في ذلك الحين، مخاوف لا تخالطها لا من قريب ولا من بعيد دسائس أو مؤامرة من النظام الحاكم وقتها، فالنظام القائم في العـ1986ــام وهو عام هروبه الكبير – كان نظاماً تعددياً ليس فيه أدنى شائبة خصومة سياسية تجعل الطالب الشاب يستجير بالحركة الشعبية.
المخاوف أذن كانت في سياق قضائي عادي، والطالب الشاب يدرك طبيعة فعله واحتمالات مآلات ذلك الفعل – ويمكنك أن تجد له العذر بحسب الذهنية الغضة والخبرة الأقل ولكن ما يحير في ياسر سعيد عرمان أنه زعم إيمانه بقضية الحركة الشعبية ومشروعها وسجل نفسه منائلاً في سبيل مبادئها!! والواقع أن هذا الزعم – الذي أفتضح مراراً – صدقه هو نفسه وغلبت على ذهنه مغالطاته تلك ومن ثم حولها إلى شأن سياسي عام. أن مشكلة ياسر عرمان المركزية أنه لا يملك القدر اللازم من المصداقية السياسية، ولهذا السبب – دون غيره – ما فتئ عرضة وبأستمرار للمآزق المحزنة! وما مأزقه الأخير الذي أودي به وجعله منبوذاً في الحركة الشعبية إلا وجه من وجوه عدم مصداقيته. فمن جهة أولى فإن عرمان أفتضح أمره في فترة الانتقال، السنوات الست التي أعقبت اتفاقية السلام الشاملة في نيفاشا 2005، لقد كانت فترة (6) سنوات كافية جداً وتزيد لكي تتجلى مصداقية ومهارة عرمان كسياسي يزعم أنه نصير للمهمشين كما يقول ولكن الواقع المزري يقول ان عرمان فشل طوال هذه السنوات الست في بناء الحركة الشعبية قطاع الشمال.
ولن تبارح ذاكرة أحد، صراعاته وملاسناته والتشابك بالأيدي والأرجل مع رفاقه ووصول شجاراته إلى مخافر الشرطة!! ولن ينسى أحد كيف توالت الشكاوى – أرتالاً – على منضدة رئيس الحركة سلفاكير ميارديت تشكو عرمان حتى ضاق الرجل ذرعاً به وقرر رسمياً تجميد القطاع!!
ولعل هذه ومعها أمور أخرى كثيرة ساهمت لاحقاً في القرار الشهير الذي تقرر بموجبه سحب عرمان من السباق الرئاسي في مشهد مهين ومزري لم يجد الرجل – الذي أفتضح أمره وافتضح وزنه – بداً من الإنصياع له! ومن جهة ثانية فإن عرمان عقب قرار إنهاء ترشحه لم يجد (دمعة واحدة) تسقط لأجله من رفاقه في الحركة وربما ابتهج البعض بالقرار!! ومن جهة ثالثة، فإن مجلس النوبة حين قرر مؤخراً ابعاده عن ملف المفاوضات لم يكن قد فعل ذلك على نحو مزاجي المجلس لديه الكثير مما لا يتسع له المجال هنا ويعرفه عرمان في قرارة نفسه!!
عرمان اذن وجه من وجوه الانتهازية السياسية، محض مغامر التحق بالحركة الشعبية لحماية نفسه، ثم ادعى أنه نصيرها ومؤمن بقضاياها ولكن ماعون الحركة كأمر متوقع لم يتسع له. ظاهرة عرمان في التاريخ السياسي السوداني فريدة من نوعها، فللرجل قدرة إستثنائية على دفع الآخرين لكراهيته والتخلص منه فهل مرد ذلك الى المصداقية السياسية المنقوصة في شخصيته؟ هل هي انتهازيته ذات الرائحة المميزة؟ هل هي تناقضاته ولعبه لأدوار غير مشرفة؟ أم أنها جماع كل ذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق