الخميس، 20 أبريل 2017

“زيارة وأزمة”

من المتوقع أن يصل سامح شكري وزير الخارجية المصري الخرطوم، اليوم (الخميس)، على رأس وفد كبير من وزارته، وذلك لحضور اجتماعات لجنة التشاور السياسي بين البلدين والمقرر عقدها بالسودان هذه الدورة، وبعد أن تم تأجيلها من يوم التاسع من أبريل الجاري لظروف الطقس التي منعت الوزير المصري ووفده من السفر نتيجة إغلاق مطار الخرطوم لسوء الأحوال الجوية، بعد أكثر من ثلاث ساعات قضاها شكري بمطار القاهرة انتظاراً لتحسن الأجواء، ولكنها لم تتحسن في حالة وصفها الناس بسوء الأحوال السياسية وحتى الطبيعية بين البلدين، وفي صبيحة اليوم العاشر من أبريل كان مقررا أيضا استكمال الزيارة إلا أن حادث تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية حال مرة أخرى لإتمامها، وكأن الأقدار تصر على عدم إتمامها أو ربما تعليقها لوقت آخر، وتأتي الزيارة غداً وقد ازدادت غيوم وسحب التوتر على العلاقة بين البلدين، بما سيفرض على الأجندة بنوداً إضافية لتحسين الأجواء أولاً قبل الدخول في التفاصيل.
ظلت مكتومة 
الأزمة بين مصر والسودان ظلت مكتومة على مستوى قيادة البلدين فترة طويلة، ربما كان صداها منفجراً على مواقع التواصل الاجتماعي بتلاسنات وتراشقات بشكل أوسع، مع عدم تفاعل قمة الهرم في البلدين مع ما كان يحدث، إلى أن جاءت أزمة تصويت مصر على تمديد العقوبات على دارفور، الأمر الذي اعتبره البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية موقفا شاذا من الجانب المصري. 
ورغم أن هذا القرار دوري ويتم التصويت عليه منذ عام 2005 بالإجماع لعدد من الدول على رأسها مصر وإثيوبيا وروسيا، إلا أن غندور سلط هجومه على مصر وحدها دون غيرها من أصدقاء السودان، وهو ما نفاه الناطق الرسمي للخارجية المصرية أحمد أبوزيد في بيان سريع جاء فيه (رداً على استفسارات صحفية بشأن ما تداولته بعض الصحف السودانية حول طلب الحكومة السودانية تفسيراً رسمياً من مصر بشأن موقف مندوبها في لجنة العقوبات الخاصة بدارفور في مجلس الأمن، والذي نما إلى علم الجانب السوداني أنه طالب بالإبقاء على العقوبات المفروضة على السودان في اجتماعات اللجنة، أكد المستشار أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن الجانب السوداني استفسر من خلال القنوات الدبلوماسية عن صحة ما نما إلى علمه في هذا الشأن، وأن السفارة المصرية في الخرطوم أوضحت للإخوة السودانيين بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر – اتساقاً مع نهجها الدائم – تتبنى المواقف الداعمة لمصلحة الشعب السوداني، سواء خلال مداولات مجلس الأمن أو لجان العقوبات المعنية التابعة له. وأضاف أن اجتماعات لجان العقوبات تقتصر على أعضاء مجلس الأمن فقط، وأنه كان من الأحرى أن يستقي الأشقاء السودانيون معلوماتهم بشأن المواقف المصرية من بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة بشكل مباشر، خاصة وأن التنسيق بين البعثتين المصرية والسودانية قائم ومستمر بشكل دوري. ومن ناحية أخرى، كشف أبوزيد أن لجنة العقوبات الخاصة بالأوضاع في دارفور لم تناقش من قريب أو بعيد في اجتماعاتها الأخيرة مسألة تمديد العقوبات على السودان، حيث إن مجلس الأمن قد أصدر بالفعل القرار (2340) في 8 فبراير الماضي بتمديد تلك العقوبات لمدة عام قادم، وأن مصر كانت من أكثر الدول التي قامت بدور فعال في اعتماد قرار متوازن يحافظ على المصالح العليا للشعب السوداني الشقيق.
توضيحات دقيقة
على الفور ظهرت ردود من البعثة السودانية بنيويورك توضح فيها ما دار بدقة، حيث تحصلت (اليوم التالي) قبل يومين على تفاصيل جديدة بشأن موقف مصر في الجلسة الرسمية المغلقة التي انعقدت مطلع الشهر الجاري مع فريق الخبراء والذي فرض عقوبات تشمل حظر توريد السلاح لدارفور، وفرض حظر للسفر وتجميد أرصدة الشخصيات المتهمة بتأجيج النزاع في دارفور. ووصفت مصادر لـ(اليوم التالي) من نيويورك مداخلة ممثل مصر في الاجتماع، بـ(السلبية والمغايرة) للخط المصري الذي كان مسانداً للسودان، موضحاً أن المندوب المصري دعا الفريق للتحقيق في دعاوى استخدام السلاح الكيماوي في دارفور، وأشار إلى عدد مما أسماها (انتهاكات) في دارفور منها العنف الجنسي والتوتر القبلي، بجانب قوله إن الانتصار العسكري في الإقليم ليس حلا، مما أثار استغراب أصدقاء السودان في المجلس للنبرة المغايرة من ممثل مصر، وقالت المصادر إن المندوب المصري أدلى ببيان إيجابي في جلسة مجلس الأمن المفتوحة في الرابع من ذات الشهر بشأن (يوناميد)، مما يعتبر تغييرا مفاجئا في الموقف المصري من دون وجود مبررات وأسباب.
ورغم أن موقف مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة قبل ثلاثة أيام من مداخلة نائبه في الرابع من أبريل الجاري كان إيجابيا جدا، وتحدثت مصادر أيضا من البعثة السودانية بنيويورك عن موقف المندوب المصري الإيجابي في هذا الموضوع، وهنا فرض المراقبون سؤالاً وهو لو كانت الأمور كذلك لماذا تم إعلانها بهذه الصورة من الجانب السوداني، أما كان من الأفضل أن تعالج مثل هذه الأمور في القنوات الدبلوماسية المغلقة دون الخروج للإعلام في وقت تشهد فيه العلاقات أزمة مزمنة على مستوى القواعد، وهذا ما يشكل خطورة كبيرة فيها؟ بيد أن فريقا آخر من الخبراء أشار إلى أن غندور لم يصرح بالأمر من تلقاء نفسه ولكنه سئل واضطر للجواب.
إلا أن أجواء هذا التصريح لم تمر بسلام في البلدين وظهرت أصوات من هنا وهناك تتهم الآخر بتعمد العدوان، وعاشت عليه وسائل التواصل الاجتماعي طيلة الأيام الماضية بما يغذي تأكيد هواجسها ويساعد على مزيد من التوتر، وكعادتها صمتت الدبلوماسية المصرية ولم ترد على أي استفسار بشأن العلاقات، في وقت ذهب فيه البعض في مصر في مقالاته إلى التعجب من الموقف السوداني، منطلقين من نفي الخارجية المصرية على موضوع دارفور. في المقابل انطلقت تصريحات لبعض قيادات البرلمان المصري في اليومين الماضيين جنحت فيها للتهدئة، معتبرة كل ما يحدث بأنه فتنة كبيرة للوقيعة بين البلدين، وحملت وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية عنها، ودعت العقلاء بالبلدين لعدم الانجرار خلف هذه الفتنة وضرورة المضي قدماً في تطوير العلاقات بين البلدين.
كما أعلن الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد المصري عن إعداد حزبه لزيارة وفد شعبي للسودان الأيام القادمة، لنزع فتيل الأزمة وعودة العلاقات لطبيعتها، معلناً عن وجود توجه آخر لزيارة وفد برلماني مصري للخرطوم أيضاً لنفس الهدف.
ترحيب بالزيارة من جانبه، رحب عبد المحمود عبد الحليم، سفير السودان بمصر، في تصريح معمم أمس الأول (الاثنين)، نشر على نطاق واسع بالقاهرة، بزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الخرطوم غدا (الخميس) لعقد اجتماعات لجنة التشاور السياسي بين البلدين، مؤكدا أنها زيارة مهمة في هذا التوقيت تتيح الحديث وتبادل وجهات النظر مع إبراهيم غندور وزير الخارجية حول الملفات السياسية والاقتصادية والقنصلية، معرباً عن أمله في أن تؤدي الزيارة إلى تهدئة الأوضاع وإعادة الحيوية للعلاقات السودانية المصرية. 
ودعا عبد المحمود إلى عدم السماح بتغلغل التوتر إلى القواعد الشعبية، لأن الرهان ظل دوماً على دفء علاقات المودة والتضامن بين شعبي البلدين، موضحاً أن الآمال ما زالت معقودة على علاقات نموذجية بين الخرطوم والقاهرة تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل رغم الانفلات الإعلامي وبقاء بعض القضايا العالقة والحساسة دون حل. وقال إن السودان ومصر تتطابق وجهات نظرهما إزاء العديد من القضايا، وهذا لا يمنع تفاوت مواقفهما أو رؤاهما بشأن قضايا أخرى، وهو ما ينبغي للطرفين السعي لتعزيز مواقفهما المتطابقة وإيجاد قواسم مشتركة للموضوعات التي لا تتطابق وجهات نظهرهما بشأنها، مطالباً بالإقبال على الشراكة بين البلدين بوتيرة أسرع وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في وثيقة الشراكة الاستراتيجية وبقية الاتفاقات الأخرى، لافتاً إلى أن التنفيذ غير المتوازن لاتفاقية الحريات الأربع مثلاً، والتي تسهل حركة الشعبين وتجعل التواصل سهلاً والتي ظل السودان ينفذها بقدر كبير من جانب واحد انعكس بسلبياته على أوضاع مواطنينا بمصر، كما طالب مصر بالإقدام دون تردد في التوجه لإيجاد حل للمشكلات العالقة بين البلدين والتي ظلت تؤخر مسيرة التعاون الثنائي، وفي مقدمتها قضية حلايب والتي بدون الإقدام على معالجتها ستظل تعكر صفو العلاقات بين البلدين، ويقتضي التمهيد لحلها وقف الإجراءات المصرية الأحادية في مثلث حلايب ثم الجلوس والتفاوض، وإلا فيمكن للبلدين الذهاب إلى التحكيم، نافياً بشدة أن يكون لمصر أي تحفظ على علاقات السودان بدول الخليج، وقال إن علاقات مصر نفسها بدول الخليج قائمة ومستمرة والتعاون العربي المشترك يتعزز بتعاون دوله، وإن السودان أول الكاسبين من علاقات عربية مستقرة وجادة.
الخلاصة أنه أمام غندور وشكري مهمة صعبة جداً لإعادة قطار العلاقات على القضبان، وعلى الوزيرين أن يوضحا للرأي العام في السودان ومصر هل فعلاً العلاقات بين البلدين متأزمة على المستوى السياسي؟ أم أن هناك أيادي خفية بالفعل تعبث بها من وراء ستار؟، هذا اللقاء يحتاج لشفافية لأن الخصومة هذه المرة شعبية، وهذا أخطر ما فيها، فبعدما كانت القواعد هي صمام أمان هذه العلاقة، نجح المتآمرون في بث سموم الفرقة بينهما بشحن مشاعر الناس بصورة غير مسبوقة، فهل سينجح غندور وشكري في المقابل في نزع فتيل هذه الأزمة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق