الاثنين، 6 يونيو 2016

الإعلام الأمريكي... موقف مناهض للجنائية الدولية

تقول الشواهد أن المواجهة بين السودان وما تسمى بالمحكمة الجنائية الدولية ليست بالأمر الجديد ، إلا أن الجديد هذه المرة هي زيارة الرئيس البشير الى دولة يوغندا لحضور مراسم تنصيب يورى موسفينى عقب الانتخابات الرئاسية التى أجريت مؤخرا، فقد أضفت هذه الزيارة زخما اعلاميا كبيرا على المواجهة المفتوحة بين السودان والمحكمة الجنائية.
هذا الزخم تبدا في المقالات التي تناولتها الصحافة الامريكية والتي كانت ابرزها “الواشنطون بوست” و”الواشنطون تايمز” خلال الاسبوع الماضي – حيث تناولت الصحفتان وفى مقالين منفصلين- مشاركة الرئيس البشير فى مراسم التنصيب وما قيل عن إنسحاب بعض ممثلى لدول اروبية وامريكيين خارج مكان الإحتفال للتعبير عن الاحتجاج عن مشاركة الرئيس البشير وكذلك الانتقادات التى وجهها الرئيس موسفينى لأداء المحكمة الجنائية الدولية.رغم أن المقالين اللذين نشرتهما هاتان الصحيفتان يعبران عن آراء كاتبيهما او الخط التحريرى للصحيفة، ولكن جرت العادة أن يعكس تناول الصحف الامريكية البارزة توجهات ما للمؤسسات الرسمية بالادارة الامريكية سواء فى الوقت الرهان تجاه حدث معين أو أن يتم تبنيها لاحقا.إن مصدر الإنزعاج الأمريكى من مشاركة الرئيس البشير فى مراسم تنصيب نظيره اليوغندى وإنتقادات الأخير للمحكمة الجنائية هو الموقف المتناقض لواشنطون التى تستخدم بعض مؤسسات السياسية الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية وغيرها لتمرير أجندتها كدولة كبرى ومهيمنة، وكذلك لإلحاق الضرر بما تعتبرها أنظمة مارقة او معادية لمصالح وسياساتها، حيث أن المكانة الدولية للقطب الأمريكى تتآكل بشكل كبير ويتراجع تأثيره على مجريات السياسة الدولية على أكثر من صعيد بشهادة الخبراء والمحللين الأمريكيين انفسهم.لذا، يخشى الأمريكيون إصطفاف أفريقى تقوده يوغندا ويعززه صمود السودان تجاه المحكمة قد يتطورا الى مواقف وسياسات تؤدى لإنسحاب جماعى لدول القارة من النظام الأساسى اوعضوية المحكمة بالمرة وهو ما سيشكل صدمة كبرى لواشنطون.
فتناول الصحفتين الأمريكيتين لموضوع السودان والجنائية الدولية يعكس جانبا آخر من القلق الأمريكى، وهو التطور المطرد فى علاقات السودان بالمنظومة الأروبية وهو مؤشر على طلاق أروبى تجاه التبعية لسياسة واشنطون تجاه السودان على وجه الخصوص.
فالبنسبة للأروبين فإن ما يشغلهم حاليا هاجس وهو تدفق موجات قوارب اللاجئين الراغبين فى الوصول الى جنة أروبا بأى طريق لاسيما من دول القرن الافريقى، إذ تساعد حالة الفوضى والفراغ الأمنى فى ليبيا شبكات تهريب البشر على زيادة انشطتها.ويرى الأروبيون أن التواصل مع السودان والتعاون معه فى مجالات الحد من تدفقات اللاجئين أجدى من سياسة المقاطعة والحصار والعقوبات والتى هى بالأساس أدوات سياسية محضة تهدف لتحقيق ضغوط على قيادة السودان للرضوخ لأجندة واشنطون داخليا وخارجيا.
حين زار الرئيس البشير دولة جنوب افريقيا العام الماضي , انتقد مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية للكاتبة سوميني سينغوبتا, مواقف هذه المحكمة, وقالت إنها لا تنفذ القانون إلا على الدول الضعيفة. وانها لا تنفذ القانون إلا على الدول الضعيفة, بالإضافة إلى مشكلة عدم التحاق دول عظمى بها مثل الصين والولايات المتحدة، وافتقارها أيضا إلى آلية فعالة لتنفيذ قراراتها. واستطردت "مع أن سلطة المحكمة تمتد إلى توجيه اتهامات لرؤساء دول, وهم على رأس السلطة، فإنها لا تستطيع إجبارهم على المثول أمامها ، لأنها تعتمد على رؤساء الدول والحكومات الأعضاء فيها لتنفيذ قراراتها، وبالتالي يبدون وكأنهم قوة شرطة تابعة لها.
الموقف الامريكي (الاعلامي) هذا يتسق معه الموقف الافريقي الرسمي من الجنائية الدولية حيث لا يخفى على المراقبين كون كل القضايا التي تتعامل معها محكمة الجنيات الدولية تخص القارة الإفريقية. يتعلق الأمر أولا: بالإحالات التي رفعتها حكومات بصفة منفردة مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى. كل هذه الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي اعترفت بعجز نظامها القضائي المحلي في التعامل مع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وطلبت تدخل محكمة الجنايات الدولية وفقا لمبدأ التكامل القضائي. ثانيا: إحالتان قدمهما مجلس الأمن الدولي يتعلقان بكل من السودان وليبيا.
ولقي الموقف الإفريقي المعادي لمحكمة الجنايات الدولية زخما كبيرا في القمة العادية الثامنة عشر للقادة والزعماء الأفارقة التي عقدت في يومي 29 و30 يناير 2012 في أديس أبابا، أثيوبيا. وأثناء القمة شدد قادة الاتحاد الإفريقي على قرارهم عدم التعاون مع المحكمة وخصوصا فيما يتعلق بمذكرة اعتقال البشير وذلك انطلاقا من القناعة السائدة بضرورة تطبيق مبدأ المحاسبة على جميع قادة العالم وليس على القادة الأفارقة لوحدهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق