الأحد، 26 يونيو 2016

النشاط السياسي في الجامعات السودانية محاذير ومخاطر إستراتيجية!

اعتاد الساسة وطلاب الجامعات طوال تاريخ السودان على ترك طلائع الطلاب الذين هم بالضرورة عماد المستقبل لممارسة أنشطتهم السياسية والفكرية بحرية تامة. ولا ينكر أحد إن السودان في هذا الصدد يمكن اعتباره رائداً في هذا المضمار إذ أن
الأنشطة السياسية في الجامعات السودانية كانت رافداً مهماً للبيئة السياسية السودانية بالعديد من القادة السياسيين والنقابيين ولهذا فإن لا أحداً داخل السودان أو خارجه بوسعه المزايدة على الحريات والديمقراطية المتجاوزة لكل حدود التي شهدتها سوح الجامعات السودانية منذ عقود طويلة، غير أن هذه الأنشطة السياسية التى كانت من المؤمل أن ترتبط بتقاليد وأعراف وقواعد ذات أسس أخلاقية تناسب سن الطلاب ونشاطهم التربوي، إنحرفت مؤخراً لتصبح هي في حد ذاتها بمثابة أزمة إضافية في ممارسة العمل السياسي في السودان.
 العديد من الجامعات السودانية العريقة والحديثة عانت في السنوات الأخيرة من تحول النشاط السياسي الطلابي إلى نشاط عنيف ممزوج بمرارات لم تعهدها منابر الطلاب من قبل. جامعة الخرطوم إحدى أعرق الجامعات السودانية أعادت مؤخراً طلاباً كنت قد أوقفتهم على خلفية أحداث تجاوزت كل خطوط النشاط السياسي المشروع، وقد بلغ الأمر درجة المساس ببعض أستاذة الجامعات وإلحاق الأضرار بهم هذا فضلاً عن أن بعض التكوينات السياسية داخل جامعة الخرطوم وجامعات أخرى لديها ارتباط عضوي مباشر بحركات وقوى سودانية مسلحة تقاتل الجيش السوداني على مسارح القتال!
من العسير جداً لأي سوداني يتحلى بالقدر المناسب من الموضوعية والعقل أن يتصور قيام طلاب يتبعون لحركات مسلحة بالاحتفاء بسقوط شهداء من الجيش السوداني! الجيش السوداني ومهما كانت درجة الخصومة بين الفرقاء السودانيين هو في خاتمة المطاف، مؤسسة وطنية وقومية لا مجال للهزء أو المساس بها أو اتخاذ موقف سياسي تجاهها. هي مؤسسة ظلت وما تزال نواة السودان الصلبة التى يتأسس عليها البناء الوطني مهما كانت الخصومات السياسية.
جامعة الخرطوم قررت مؤخراً حظر النشاط السياسي داخل الجامعة، وهي الطبع حين اتخذت هذه القرارات لها أسبابها، أقلها أنها أرادت موازنة موضوعية ما بين مصلحة الطلاب الأكاديمية وهي الهدف الرئيسي للجامعة، وما بين ترك الحبل على الغارب لمن يسعون إلى إفساد النشاط الطلابي وتحويله إلى ساحة قتال.
حظر النشاط السياسي في الجامعة من المؤكد سيتكون له ظلاله ولكن بالمقبل إذا ما نظرنا من وجهة نظر إستراتيجية لهذا القرار فإن فائدة النشاط السياسي المرتجاة لم تعد كما كانت في السابق. إذ لا يمكن أن تظل ساحة الحرية في الجامعات بمثابة دعم لوجستي مشروع لقوى مسلحة، تقاتل الحكومة والجيش السوداني وتنشئ صلات مشبوهة بجهات خارجية.
 إن الحركات المسلحة التي اختارت منازلة الجيش السوداني والتمرد على أجهزة الدولة السودانية في ميدان القتال الذي اختارته سواء في إقليم دارفور أو جنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها، هي مسئولة عن قرارها وعليها أن تتحمل تبعات اختياراتها ولكن ساحة النشاط التعليمي والأكاديمي داخل الجامعات ليست جزء بحال من الأحوال من مسارح القتال.
وعلى كل فإن إعادة النظر في النشاط السياسي داخل الجامعات السودانية قاطبة أصبح ضرورة تفرضها مقتضيات المحافظة على هذه الجامعات كدور علم محترمة وهو أمر لا يختلف عليه إثنان، ومن يغالط في هذا الصدد فليلق نظرة إلى جامعات دول الجوار العربي والإفريقي والدول الأوربية و الولايات المتحدة نفسها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق