الاثنين، 13 يونيو 2016

مأزق المجتمع الدولي ما بين لاهاي وتجارة البشر!

يبدو المجتمع الدولي كمن وضع نفسه في مأزق لم يكن أبداً في حاجة اليه، فحين جرى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وبدأت عملها رسمياً عام 2003 كان المجتمع الدولي ممثلاً في الدول الأوربية والولايات المتحدة يراهن على ملاحقة القادة
الأفارقة مستخدماً (حيلة قانونية) مشروعة و تتمثل في الآلية القضائية الدولية.
الاتحاد الأوربي على وجه الخصوص كان متحمساً للأمر وسارعت دوله إلى التوقيع على ميثاق المحكمة ظناً منها أنها بهذه الطريقة تستطيع إحكام سيطرتها على القادة الأفارقة وفق مصالحها الخاصة. ولكن ولان ذات هذه المصالح هي في واقع الأمر مصالح متحركة والسياسة نفسها مليئة بالمتغيرات فإن الاتحاد الأوروبي سرعان ما  وجد نفسه في مأزق يقتضي منه أن يضع نصب عينيه (استحالة أكل الكيكة والاحتفاظ بها في ذات الوقت)!
صيحة الواشنطن بوست الامريكية في عددها الصادر يوم 26/5/206م عبرت عن هذا الامر بطريقة تحليلية مبسطة. الصحيفة الامريكية ذائعة الصيت لم تقل على نحو مباشر إن الاتحاد الأوروبي يعاني ورطة في هذا الصدد و لكنها أشارت -بوضوح- إلى أن دول الاتحاد الأوربي التى ظلت ترى الرئيس البشير –مع كونه مطلوب لد المحكة الجنائية– يتحرك في كل أنحاء العالم ويحضر الاحتفالات ويشارك في المؤتمرات وكافة المحافل الدولية وآخرها حضوره اللافت لحفل تنصيب الرئيس اليوغندي (يوري موسفيني) بمناسبة إعادة انتخابه لولاية جديدة، لم يعد لديها ما تقوله أو تفعله إزاء هذا الوضع الذي أفرغ قرارات المحكمة تماماً عن محتواها. الاتحاد الأوربي بحسب الصحيفة لديه قضية أهم بكثير من كل ما يتعلق بالملاحقة القضائية الخاصة بالرئيس البشير فهو يحتاج الى السودان حاجة ماسة لمكافحة ما بات يعرف مؤخراً بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والاتجار بالبشر والتى دورها أصبحت مهدداً أمنياً مؤثراً  في بلدان الاتحاد الأوروبي . ومن الطبيعي إزاء ذلك أن يواصل السودان ضمن إستراتيجية لتفكيك قرارات المحكمة في تكثيف مشاركة رئيسه في كل المحافل الدولية، فالسودان الآن يحاول الحصول على تأشيرة لدخول لرئيس البشير إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات خاصة بالجمعية العامة للامم المتحدة.
هذا الوضع المعقد بطيعة الحال هو نتاج طبيعي لسياسيات ما يمكن القول وان دولاً غربية كبرى انتهجها دون أن تلقى بالاً لنتائجها الوخيمة وهو أمر يكشف عن إن هذه الدول الغربية الكبرى لم تكن قد أحسنت قراءة مآلات اتخاذ قرار بتوقيف رئيس دولة وهو ما يزال في السلطة إذ أن من المؤكدان توقيف رئيس أو الحد من تحركاته أمر يتعارض مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والحصانات الدبلوماسية وأن القضاء الدولي لا يمتلك سوابقاً قضائية في هذا الصدد بإمكانها أن تدعم هذا الاتجاه أو تضع له إطاراً أو قاعد مستحدث، كما أن الاتحاد الأوروبي الذي يشكو مر أو شكوى من الهجرة غير الشرعية ويدرك انه لا يستطع (لوحده) اتخاذ أية تدابير للحد منها ليس بإمكانه تشجيع ملاحقة الرئيس السوداني قضائياً وفي ذات الوقت الاستفادة من الوضع الجغرافي للسودان مساعدته في الحد من الهجرة هذه.
السودان قطع شوطاً في تقليل هذه الأعمال الإجرامية عبر قوانين وطنية فاعلة و نجح في إلقاء القبض على جناة ورؤوس كبيرة درجت على إدارة شبكات هذه الجرائم، آخرها كما هو معروف المتهم الارتري الجنسية الذي قامت السلطات السودانية بتسليمه مؤخراً للحكومة الايطالية.
واشنطن من جانبها تعاني الأمرين الآن ما بين منح الرئيس السوداني تأشيرة دخول لحضور فعاليات خاصة بالمنظمة الدولية  وفق ما يقضي به التزامها كدولة مقر وما بين رغبتها الشخصية في الحد من تحركات الرئيس السوداني. ورطة واشنطن فيما يبدو هي الأخرى أكبر من ما كان تتصور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق