الخميس، 16 يونيو 2016

إفريقيا في مواجهة الجنائية.. أخطر إنتفاضة ضد الظلم الدولي!

أياً كانت مآلات الأمور بشأن موقف الذي تتخذه دولا قارة الإفريقية حالياً حيال ما يسمى بمحكمة الجنايات الدولية، فإن المهم في الأمر أن دول القارة الإفريقية ما عادت لتقبل ما تفرضه هذه المحكمة ذات المنحى العنصري أو على الأقل لن تتعاون دول
القارة مع هذه المحكمة ما لم تغير الأخيرة من طريقة تعاطيها مع بلدان القارة ولهذا فإن أكثر ما بات يقلق المجتمع الدولي فعلاً بشأن الموقف الإفريقي يمكن تعداده في عدد من النقاط الاستراتيجية الأساسية:
أولاً، إن رفض دول القارة -في خطوة موحدة- للخضوع لسلطان المحكمة مع قناعة دول القارة أن المحكمة -بالدليل المادي- تستهدفهم هم وحدهم دون سواهم، معناه إن هذا يحول دون إلتحاق دول في المستقبل إلى المحكمة من جهة ومعناه أيضاً قابلية بعض الدول للانسحاب من ميثاق المحكمة حالياً بما يجعل المحكمة في المستقبل  القريب غير ذات أهمية.
ثانياً، إذا كان من شأن اتخاذ موقف جماعي موحد من قبل دول القارة أن يخلخل بنيان المحكمة الدولية أو على الأقل يجعلها موضعاً للجدل، فإن الأخطر من ذلك أن تجربة الوقوف ضد المحكمة من شأنها أن تدفع القوى الإفريقية لاتخاذ موقف إفريقي موحد ظل المجتمع الدولي يعمل منذ سنوات للحيلولة دون إمكانية تبلوره.
ثالثاً، على اقل تقدير فإن الموقف الإفريقي الموحد إذا لم يدفع القوى الدولية التى تقف وراء قيام المحكمة وتحركاتها يغير من طريقة تعاطيه معها، فهو على الأقل بما يجعل المجتمع الدولي يفكر في معايير موضوعية للعدالة وهو أمر من شأنه حال حدوثه أن يباعد ما بين دول القارة والمجتمع الدولي فإما أن يلتزم المجتمع الدولي المعايير الموضوعية الحقيقية في شأن تحقيق العدالة وإما أن يتحمل نتيجة عدم عدالته و أن يخسر قارة بأكملها.
رابعاً، استفادة السودان من موقفه الذي ربما بدا موقفاً صعباً للكثيرين كونه يواجه إتهاماً موجهاً إلى رئيسه وكبار مسئوليه وتحويله لهذا الموقف من موقف سلبي صعب إلى موقف ايجابي لصالح عموم القوى الإفريقية وبعض بلدان ما يسمى بالعالم الثالث وهو في ذاته يمكن اعتباره نجاحاً منقطع النظير، إذ أنك لا يمكن أن تظل جامداً في مكان وحد يريد لك الآخرون أن تلظ فيه. السودان نجح في إدارة معركته مع القوى الدولية بذكاء وعناية وفائقة إذ لم يستسلم لما هو فيه، بل سارع إلى تحويل الأمر إلى طاقة ايجابية مؤثرة جعلت دولة قارة بأسرها يقررون إيفاد بعثة من 8 دول يمثلهم وزراء الخارجية إلى مجلس الأمن لطرح رؤية بلدان القارة على المجتمع الدولي! إذا كان كل ما فعله السودان هو أنه نجح في اتخذا هذا الموقف فإنه يكفيه.
خامساً، من المدهش حقاً ان القوى الدولية التى تلاحق دول القارة الإفريقية بإجراءات هذه المحكمة هي نفسها غير متقنعة بها وإلا لكانت إنضمت إلى ميثاقها وهذا يفتح الباب للتساؤل عما إذا كان من حق أي دولة من الدول غير الموقعة على ميثاق من المواثيق أن تعمل على ملاحقة دولة أو دول أخرى فالولايات المتحدة مثلاً ليست موقعة على ميثاق المحكمة ومع ذلك فهي الأعلى صوتاً في هذا الصدد والأكثر حديثاً عن العدالة وغيرها، ربما يقول قائل إن الآمر هنا يتصل بإتفاقات دولية سارية المفعول مهما كان عدد الموقعين عليها طالما أنها تمثل إرادة أطراف دولية. هذه صحيح ولكن بالمقابل فإن الذي لا يكون طرفاً فاعلاً مؤثراً في إنشاء ميثاق من المواثيق ويرفض أن يكون جزء منه، فإنه عليه أن يكف عن محاولة إخضاع الآخرين له .
سادساً، يعلم السودان وتعلم دول القارة الإفريقية أن مجلس الأمن الدولي ومهما كانت درجة المرونة فيه فهو يغير موقفه من ملاحقة القارة الأفارقة. فالمحكمة لا تعدو كونها أداة استعمارية الهدف منها إخضاع قادة دول القارة الإفريقية بآليات ووسائل قانونية، ولكن في ذات الوقت فإن مجرد شعور العالم بأن القادة الأفارقة بدئوا بهذه الحركة في ظل اتساع رقعة المظلومين واتساع رقعة الظلم الدولي ضد شعوب عديدة فإن من شأن هذا الحراك تحريك وإيقاظ ضمائر المجتمع الدولي ولو على نحو عابر ومحدود.
وأخيراً فإن وقوف وزراء خارجية القار الإفريقية هذه الوقفة داخل أروقة مجلس الأمن الدولي هو بمثابة عمل سياسي دولي جبار مهما كانت النتائج المترتبة عليه، فقد وصل الصوت الإفريقي الجهوري إلى المائدة الدولية، لكي ينافح عن قضيته ولكي يدير نزاعاته مع الدول الكبرى التى ما كانت تظن أن القارة الإفريقية قادرة على فعل أمر كهذا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق