الأربعاء، 23 أغسطس 2017

“فى غرفة الانتظار”

مجددا فشلت اجتماعات اللجنة المشتركة لإدارية أبيي (الأجوك) والتي كان من المقرر أن تنعقد قبل يومين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا برعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، وقال حسن نمر رئيس اللجنة من الجانب السوداني إن ممثلي حكومة دولة جنوب السودان انسحبوا من الاجتماعات الخاصة بالتباحث حول كيفية إنزال اتفاقية 2011م وتكلمة الإدارة التنفيذية والمجلس التشريعي والشرطة المشتركة.
ويبدو أن حكومة دولة جنوب السودان لا ترغب في حسم ملف أبيي عبر اللجان المشتركة وتطمع في إجبار الخرطوم على القبول بسياسة الأمر الواقع وضم المنطقة لحدودها ولا يخفى على أحد التحركات العديدة التي ظل يقودها وزراء دولة الجنوب في السنوات الماضية من أجل إثبات تبعية أبيي لدولتهم الوليدة وما يبذلونه من معلومات وآراء وضغوط بغية ضمها إلى جنوب السودان.
وبالرغم من انشغال حكومة دولة جنوب السودان بأزماتها الداخلية إلا أن قضية أبيي لا تغادر الأخيلة والتكتيات السياسية الهادفة إلى انتزاعها من البلاد، وفي المقابل تؤمن الحكومة بحتمية تبعية أبيي للسودان لعوامل عدة، في مقدمتها الوثائق التاريخية والحدود التي ورثتها منذ الاستعمار الإنجليزي، وتبذل جهوداً عدة لإقناع الوسطاء بذلك، ولكن أبيي ما زالت قضيتها مجمدة في ثلاجة الانتظار إلى حين، ويأتي ذلك بعد سنوات من التخزين للملف الشائك.
وكانت قيادات دينكا نقوك قد أقامت استفتاء أحاديا في المنطقة، ارتفعت بموجبه حدة الجفاء والعداء بين قبيلتي المسيرية والدينكا المعنيتين بالمسألة، بعد إصرار دينكا نقوك على إجراء الاستفتاء الأحادي للمنطقة، ضاربة بكل القرارات الرسمية للاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن الأفريقي عرض الحائط، وبعد الفشل الأخير في لم شمل اللجنة المشتركة يبقى تحدي الوصول إلى تسوية في الملف العالق مرهونا بتوافر إرادة دولية حقيقية تضع حدا لتناسل سنوات الأزمة التي بلغت ستة أعوام الآن.
وظل السكان المحليون يعشون في المنطقة على فوهة السلاح المتوقع (لعلعته) في أي وقت ويأملون في الاستقرار والطمأنينة التي تعد من أبرز التحديات التي تواجه سكان أبيي إضافة إلى كيفية المحافظة على الحقوق الفردية والجماعية وطرق الهجرة التقليدية بين الشمال والجنوب، وكيفية المحافظة على سبل كسب العيش للمواطنين والتي تعد من التحديات الكبرى التي تواجهها حكومتا الدولتين بعد أن تحول الصراع الى قضية سياسية نتيجة للتداعيات التي أفرزها انفصال الجنوب على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي بمناطق التماس ومنطقة بحر العرب وأبيي خصوصاً.
وينصح بعض الخبراء بأن تراعي الاتفاقيات بين البلدين واقع مناطق التماس ووضع الحلول الاستباقية لذلك وأن تراعي حقوق الإنسان والرحل، فالمعاهدات الدولية تكفل للرحل حقوق تحترم تقاليدهم وثقافاتهم وأنماط حياتهم وتحذر من خطورة التغيرات السياسية على الرحل وانتهاك حقوقهم كما أن المواثيق الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة وتحمي الحدود الدولية الموروثة وتمنع التعديل والتغيير الذي يقود إلى تحويل الحدود الداخلية للدولة إلى حدود دولية بغية تلافي مخاطر الحروب الأهلية والنزوح الجماعي والأزمة الاقتصادية وشح مصادر المياه والمراعي ونفوق أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية.
وعلى الرغم من المطالبات المتعددة التي تدفع بها الحكومة والإدارات الأهلية المتضررة من استمرار الأزمة للمجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي لممارسة المزيد من الضغط على المسؤولين في دولة جنوب السودان بالجلوس لاستكمال المحاور الرئيسة، إلا أن الانسحاب وعدم حضور الاجتماعات المعلنة ظل الصفة الملازمة مما يستدعي ـ بحسب البعض ـ البحث عن سبل أخرى للضغط على الجانب الجنوبي، وذلك الأمر لا يبدو متاحا الآن في ظل انشغال المجتمع الدولي بقضايا أخرى مما يعني أن أبيي ستبقى على وضعيتها هذه من دون حلول إلى أن ينتبه العالم للقنبلة الموقوتة التي غرستها الولايات المتحدة الأمريكية عبر اتفاقية السلام الشامل في خاصرة العلاقة بين الدولتين الجارتين.
وعلى الرغم من فشل اللجنة الإشرافية في تغيير الأوضاع بالمنطقة، تعيش أبيي اليوم حالة من الهدوء والاستقرار المشوب بالحذر، وعلى مستوى المجتمع الدولي يظل الرأي الغالب وضع القضية في غرفة المنتظرين لحين إيجاد صيغة ترضي الطرفين، ولكن على الأرض تمضي الحياة على حافة النزيف رغم مظاهر السلم الذي تعيشه حاليا، ولكن انهيار الهدنة يتربص بالمجتمعات المحلية وينتظر فقط إشعال الحريق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق