الأحد، 1 أبريل 2018

(واشنطن على الخط)

اقترب الموعد المحدد لاجتماعات سد النهضة الإثيوبي والمقرر عقدها في الخرطوم في 4-5 أبريل المقبل والتي يحضرها وزراء الخارجية والري ومديرو أجهزة الأمن والمخابرات بكل من مصر والسودان وإثيوبيا، وذلك وفق تكليف الرؤساء الثلاثة (البشير والسيسي ورئيس الوزراء السابق ميريام هايلي ديسالين) في لقائهم على هامش اجتماعات الاتحاد الأفريقي أواخر يناير الماضي بأديس أبابا، ومن المتوقع أن يناقش هذا الاجتماع نقاط الخلاف التي أدت إلى تجميد مفاوضات سد النهضة الفنية بالقاهرة في نوفمبر الماضي.
وفد أمريكي
قبل الاجتماع المرتقب بالخرطوم تم الإعلان عن زيارة وفد أمريكي للخرطوم الأحد الماضي برئاسة إيريك ستروماير مساعد وزير الخارجية الأمريكي بالإنابة لشرق أفريقيا، والتي استمرت يومين، وذكرت وزارة الخارجية في بيان لها أن الزيارة تشمل السودان، مصر وإثيوبيا، وتأتي بغرض التعرف على مواقف الدول الثلاث حيال قضية سد النهضة من أجل تكوين نظرة محايدة تسهم في تقديم المساعدات اللازمة التي تؤدي إلى خلق أرضية مشتركة تساعد على الوصول إلى التفاهمات والحلول التي ترضي جميع الأطراف. واستقبل الوفد البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية يوم (الاثنين) الماضي، وأكد غندور خلال اللقاء عزم السودان على مواصلة التفاوض والحوار البناء والعمل من أجل تقريب وجهات النظر توطئة للوصول إلى نتائج إيجابية ومرضية لجميع الأطراف، ووصف اجتماع الرؤساء الثلاثة الأخير بأديس أبابا بأنه تاريخي ومهم، موضحا أنه شكل نقلة إيجابية في مسار التفاوض، كما نوه بأهمية الاجتماع الثلاثي والذي يضم وزراء الخارجية والري والأجهزة ذات الصله بالدول الثلاث والمزمع انعقاده مطلع أبريل القادم بالخرطوم. من جانبه أكد الوفد الأمريكي على أهمية مواصلة الحوار الموضوعي والشفاف من أجل تحقيق التقدم الإيجابي في هذا الملف. كما التقى الوفد السفير عبد الغني النعيم وكيل وزارة الخارجية، وجدد الوكيل التأكيد على موقف السودان الداعم للحوار البناء بين الدول الثلاث بغرض الوصول إلى التفاهمات المطلوبة بشأن قضية سد النهضة، كما أكد على أن التوافق بين الدول الثلاث سينعكس إيجابا على عملية الاستقرار في المنطقة.
معلومات جديدة
من جانبه كشف معتز موسى وزير الموارد المائية والكهرباء والري عن معلومات جديدة عن أسباب خلافات السودان ومصر وإثيوبيا حول سد النهضة قاطعاً بأن الخلافات ليست بسبب غياب المعلومات، إنما لاختلاف زاوية النظر للحقائق الموجودة، وأبلغ موسى وفد وزارة الخارجية الأمريكية أن الحكومة السودانية مطمئنة بأن الدول الثلاث ستصل في خاتمة المطاف لحل يرضي كل الأطراف. وقال معتز في بيان صحفي إن السودان ينظر لملف سد النهضة الإثيوبي نظرة استراتيجية تشمل كل دول المنطقة باعتباره نموذجاً للتعاون والاستقرار في الإقليم وأفريقيا، وأضاف معتز أن الحكومة السودانية ملتزمة تماماً باتفاقية 1959م، مؤكداً أن الحكومة لا تملك مطامع في حقوق أي دولة أخرى، مشددا على أنه لا خيار سوى التعاون في حوض النيل.
زيارة غير معلنة
الوفد الأمريكي استبق زيارة الخرطوم بزيارة للقاهرة السبت الماضي التقى خلالها وزيري الخارجية والري المصريين سامح شكري ومحمد عبد العاطي. وقالت مصادر مطلعة لـ(اليوم التالي) إن الوفد استمع للجانب المصري ونقاط خلافه حول سد النهضة، وكشفت المصادر أن الوفد الأمريكي جاء فقط للاستماع ورفع تقرير بشأن مفاوضات سد النهضة للإدارة الأمريكية وليس لوساطة أو تدخل، وأبانت المصادر أن اتفاق إعلان المبادئ الذي وقع بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا بالخرطوم مارس 2015 كان تحت رعاية أمريكية، واستدركت المصادر في الوقت نفسه بأن هذه الرعاية كانت في زمن إدارة أوباما، وأنه الآن مع إدارة ترامب غير معروف إذا كان هناك توافق بين الإدارتين حول هذا الملف أم لا؟، ونوهت المصادر بأن القاهرة لم تعلن عن زيارة الوفد الأمريكي لها حتى لا يفهم ذلك في اتجاه ضغوط مصرية على الملف.
تبقى زيارة الوفد لأديس أبابا للاستماع إليها أيضا قبل أن يرفع تقريره للإدارة الأمريكية، وتبدو الزيارة موفقة تماما كونها جاءت مع قرب حسم إثيوبيا أمرها باختيار رئيس وزرائها الجديد بشكل رسمي، ما يعني أن الوفد سيستمع إلى وجهة نظر رسمية قد لا تتغير بعد ذلك.
أسباب الخلاف
وكانت مصادر مصرية قد أعلنت أن سبب الخلاف الذي أدى لانسحاب القاهرة من المباحثات الفنية في نوفمبر الماضي، هو عدم التوافق بين ممثلي الدول الثلاث في اللجنة الفنية الوطنية على التقرير الاستهلالي للمكاتب الاستشارية المعنية بعمل الدراسات، ومرجعية خط الأساس الذي سيتم وفقاً له تحديد المخاطر أو التأثيرات المحتملة للسد سواء على معدلات تدفق المياه أو أي تأثيرات اجتماعية واقتصادية وبيئية أخرى، حيث وافقت مصر على التقرير الذي يفترض أن تختبر الدراسات تأثيرات السد على النظام المائي الحالي في النيل الشرقي متضمناً السد العالي والاستخدامات الحالية لمصر من مياه النيل، بينما رفض الجانب الإثيوبي والسوداني هذا المقترح وطلبا الاقتصار على تحديد أثار السد على الحصة المائية لكل من مصر والسودان وفقاً لاتفاقية 1959، فضلاً عن اقتراح سيناريوهات مختلفة للملء في السد وفقاً لمواسم الفيضان والجفاف، وهو ما رفضته مصر.
تقريب وجهات النظر
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: ما هي أهمية زيارة الوفد الأمريكي لكل من مصر والسودان وإثيوبيا في هذا التوقيت؟ وهل تدخل الإدارة الأمريكية سيكون للضغط لصالح طرف على حساب الآخر أم سيكون لتقريب وجهات النظر المختلفة؟
الدكتورة أماني الطويل مدير البرنامج الأفريقي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ترى أن زيارة الوفد الأمريكي للدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في هذا التوقيت محاولة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الثلاثة. وقالت الطويل لـ(اليوم التالي) إن التضحية بالمصالح المصرية له أثمان على المستويين الإقليمي والدولي، مضيفة: يجب أن تكون هناك مسؤولية على المجتمع الدولي بالتدخل في هذا الموضوع، وعبرت عن عدم اعتقادها أن الجانب الأمريكي سيبلور أطروحات محددة في ما يتعلق بالمطالب المصرية والتطلعات الإثيوبية، وقالت: أعتقد أن التحرك الأمريكي جاء في وقت حرج في أديس أبابا مع قرب اختيار رئيس وزرائها الجديد، ولفتت الطويل إلى أنه رغم قرب أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي المرشح من النخب المتحكمة في إثيوبيا إلا أنه يريد أن يحقق قدرا من النجاح مرتبطا بالتهدئة حتى يستطيع تحرير نوع من الإصلاحات الداخلية.
أسوة حسنة
ويبقى أن اجتماع أبريل بشأن سد النهضة بالخرطوم مهم ومن المتوقع أن يكون نقطة تحول وانطلاق جديد في المفاوضات على غرار الاجتماع الرباعي بين مصر والسودان والذي عقد بالقاهرة في الثامن من فبراير الماضي، وذلك لأنه تكليف مباشر من الرؤساء الثلاثة، رغم انقسام الخبراء حوله إلا أنه مؤشر إيجابي لانخراط إثيوبيا سريعا في المفاوضات رغم ظروفها والتي كان متوقعا أن تعطل التفاوض فترة أكثر من ذلك، وما يعزز هذا التوقع أن الاجتماع سيبحث عملية الملء والتخزين للسد فإما الاتفاق وإما إعلان الفشل، ويظل سيناريو الفشل ضعيفا بعد الانسجام الذي ظهر به الرؤساء الثلاثة في أديس، ولنا في الاجتماع الرباعي بين القاهرة والخرطوم أسوة حسنة والذي تشهد العلاقات بين البلدين بعده تحولات سريعة وجدية ومختلفة نحو الأفضل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق