الاثنين، 9 أبريل 2018

ترسيم الحدود الوطنية في الممارسة السياسية في السودان!!

في البدء سخرت أغلب القوى السياسية خاصة الحزب الشيوعي السوداني نفسه حينما أطلق رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني (صلاح قوش) مقولته الإستراتيجية أن بعض الأحزاب عليها تحسين سلوكها السياسي!! بدت المقولة للكثيرين وكأنها تقليل من هذه الأحزاب واستهانة بها. ولكن وعلى النقيض من هذا الاعتقاد فإن الجهاز الأمني السوداني المثقل بهموم أمنية وسياسية ويرقد على خبرة إقليمية ودولية في قضايا الأمن القومي للمنطقة، كان يشير إلى نقطة شديدة الحساسية والأهمية، نقطة ترسيم الحدود الوطنية في الممارسة السياسية! التفريق الواضح ما بين ممارسة المعارضة ضد الحكومة – كأمر متاح ومشروع بالوسائل السلمية – وما بين ممارسة العنف والتخريب ضد الدولة السودانية، ضد مواردها ومنشآتها الحيوية وضد بقاءها نفسه!! الكثيرين ممن لهم غبن دفين ضد الجهاز الأمني – بسبب المواجهات المتكررة – نظروا إلى المقولة من زاوية التعالي السياسي واستصغار الشأن من قبل الحكومة وأجهزتها ضد القوى السياسية المعارضة ولكن في النهاية أدركت هذه القوى، وعلى وجه الخصوص الحزب الشيوعي السوداني الأكثر شراسة في المواجهة، أن مقولة رئيس الجهاز الأمني السوداني – وللرجل وزن مهني معروف اقليمياً ودولياً – لم تكن مقولة اعتباطية ولا كانت محض استهانة بالقوى المعارضة، اذ أن فرضية (تحسين السلوك السياسي) فرضية واقعية وضرورية لايجاد ممارسة سياسية راشدة.
وقد تبين من خلال اللقاء النادر والذي بدأ مدهشاً للكثيرين في السودان وفي الاقليم والذي جمع بين قادة الحزب الشيوعي السوداني ومدير الجهاز الامني السوداني داخل قيادة الجهاز الأمني، أن (تحسين السلوك السياسي) واحدة من أهم مطلوبات السودان الاستراتيجية! الحزب الشيوعي السوداني ورغم كل شراسته وغبنه الخاص من الجهاز الأمني لم يجد بداً من إخراج بيان أقر فيه باللقاء وبما دار فيه والذي لم يتجاوز (مراعاة الخطوط الوطنية) والعمل على إصحاح البيئة السياسية وتحسين السلوك السياسي والوطني ولكي نتبين بموضوعية أهمية هذا الموضوع الاستراتيجي الجوهري بالنسبة للبيئة السياسية السودانية فإننا نجد أولاً : قضية تحسين السلوك السياسي واحدة من أهم أدواء الممارسة السياسية السودانية، فالحزب الشيوعي السوداني نفسه يشهد له تاريخه الحافل بالرزايا والأزمات الوطنية أنه ظل يمد جسوراً بالقوى المسلحة التي تقاتل الحكومة المركزية في الخرطوم الكل يعرف طبيعة العلاقة بين الحزب الشيوعي والحركة الشعبية، والكل يعرف علاقة الحزب الشيوعي بحركة عبد الواحد محمد نور المتمردة في دارفور. هذه العلاقات الخفية والظاهرة لأحزاب سياسية بقوى وحركات مسلحة، هي من قبيل (سوء السلوك السياسي)، لأن حمل السلاح والتخريب واستخدام العنف لا يمكن قبوله ضمن الممارسة السياسية لحزب سياسي مسجل وملتزم بالقانون! الحزب الشيوعي السوداني أيضاً لا يتواني في اثارة الشوارع وإهاجة البيئة السياسية بحيث يفضي الى تخريب وأعمال عنف!! ومع أن الحزب لم ينجح مؤخراً في القيام بهذا الدور، وتجنب الشارع السوداني تماماً التفاعل معه في الخروج واشاعة الفوضى الا أن فشله هذا لا يعني نزع الفكرة من ذهنه فهو حريص على هذا التكتيك المتأصل فيه لأنه لا يستند في الأصل إلى قاعدة عريضة ولم يعرف له التاريخ السياسي السوداني امتلاك قاعدة جماهيرية معتبرة، كان دائماً انتهازياً، يركب الموجة ويستغلها إلى أقصى حد!
ثانياً : الجمع بين العمل السياسي السلمي، وحمل السلاح في ميدان القتال هو أيضاً وبلا أدنى شك في قبيل السلوك السياسي السئ، بل السلوك السياسي المشين!! فمثل هذا الجمع وفضلاً عن تناقضه، فهو يباعد بين استقرار وأمن الدولة، ويزيد من حالة الاحتقان كما أنه يشير إلى (سلوك سياسي جبان)! حيث لا يمتلك الحزب المعين الشجاعة لحمل السلاح جهرة، هو فقط يتظاهر بالعمل السياسي السلمي ولكنه خفية يحمل السلاح ويقاتل الدولة!!
ثالثاً : عمليات التوقيف والاعتقال التي تضطر اليها الأجهزة الأمنية هدفها في الغالب، الحيلولة دون انتشار الفوضى والانزلاق الأمني في الاستقرار والحزب الشيوعي مع ادعائه الوطنية والعمل لصالح الجماهير لا يقيم وزناً لهذه النقطة إذ أن الفوضى وعدم الاستقرار فيهما تهديد لبقاء الدولة وقد رأينا ذلك بوضوح في نماذج من حولنا في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها ومن المؤكد أن السياسي الحصيف هو من يعتبر بتجارب الآخرين!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق