الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

محاربة الإستعراب

في اتفاقيات (السلام) السودانية منذ اتفاقية أديس أبابا فبراير 1972م وإلى اليوم، نجد أن (السلام) السوداني ترجع جذوره إلى (مطبخ) السياسة البريطانية .
كان من ثوابت تلك السياسة العمل على فصل السودان إلى دويلات، بداية بفصل الجنوب. وتمّ اعتماد تنفيذ (قانون المناطق المقفولة) الذي يضع أسس قيام (الدويلات الإنفصالية السودانية). كانت سياسة الإنجليز (الإنفصالية) في السودان واضحة .وقد عبرت عنها (جماعة الفابيان) .حيث تقول تلك السياسة ( نظرة المتعلمين من أبناء شمال السودان إلى الجنوب ، هي نفس نظرة المصريين إلى شمال السودان. وفصل الجنوب يعتبر مسألة كرامة. أما من جميع الإعتبارات الأخرى فيتحتَّم ألا يُضم جنوب السودان إلى منطقة العرب في الشمال لأنه ينتسب إلى قلب أفريقيا التي تحدَّه جنوباً). تلك الفقرة (الفابيَّة) تلخص دستور السياسة الإنجليزية في السودان. ذلك الدستور الذي سارت عليه السياسة البريطانية لفصل الجنوب عن شماله .
أما (جماعة الفابيان) فهي مجموعة فلاسفة ومفكري حزب العمال البريطاني الذين يرسمون السياسة النظرية للحزب لينفذها وزراء ذلك الحزب عمليَّاً. ومما زاد من خطورة سياسة فصل الجنوب عن الشمال ضعف الوعي الوطني . وبعد (16) عاماً من الإستقلال كانت اتفاقية أديس ابابا الإنفصالية وتبعتها على ذلك الطريق (الإنفصالي) اتفاقية نيفاشا. سياسة فصل الجنوب عن الشمال وردت في تصريح المستر روبرتسون السكرتير الإداري لحكومة السودان (إن سياستنا ترمي إقامة حكم ذاتي محلي في الجنوب منفصل ومستقل عن الشمال). هذه بالضبط ما نصَّت عليه اتفاقية أديس ابابا في فبراير 1972م. حيث وضعت أسس انفصال الجنوب. نتيجة لـ ( سياسة الفصل بين الجنوب و الشمال)، حظرت حكومة السودان (الإنجليزية)،
أو (حكومة الإنجليز في السودان)، على السودانيين الشماليين الذهاب إلى الجنوب إلا بترخيص خاص تحدّد فيه مدّة الإقامة وغرض الرحلة. كما تمنع (سياسة الفصل) الشماليين الذين يستوطنون الجنوب حق العبادة علانية. وتمنعهم من إنشاء المدارس وتقسو في معاملتهم قسوة شديدة. وهذه سياسة مرسومة وردت في المكاتبات الرسمية باسم (محاربة الإستعراب) . وإذا تزوَّج تاجر أو موظف من شمال السودان بامرأة جنوبية تمنعه الإدارة من أخذ أطفاله معه عندما يريد الرجوع إلى مسقط رأسه في الشمال، خوفاً من أن يقوِّي التزاوج التقارب بين السودانيين في الشمال والسودانيين في الجنوب.وعلى هذا النهج سارت سياسة حكومة الجنوب الإنفصالية بعد نيفاشا .سياسة اضطهاد (الذين أمهم جنوبية وأبوهم شمالي).
حيث لا تعتبرهم جنوبيين. بينما الشمال على العكس من ذلك . الذين أمهم جنوبية وأبوهم شمالي من ضحايا اتفاقية نيفاشا . كما أن من ضحاياها التجار الشماليون في الجنوب الذين كانت خاتمتهم (لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت). ومن ضحايا اتفاقية نيفاشا الإنفصالية (الوحدويّون الجنوبيون). ومن ضحايا نيفاشا (الإنفصالية) المسلمون الجنوبيّون الذين تمّ تهميشهم تهميشاً كاملاً ،كأن لم يكونوا يوماً على ظهر الوجود . أو كأنهم الآن ليسوا على ظهر الوجود. بذلك برغم أن عدد المسلمين في الجنوب يزيد عن عدد المسيحيين ، بحسب (إيكونومست إنتلجنس يونِت) البريطانية. (Economist Intelligence Unit). تلك (حقيقة) ظلت ترتدي طاقية الإخفاء . (حقيقة) أن من أهداف (نيفاشا الإنفصالية) تهميش الإسلام في الجنوب. وهذا ما حدث !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق