الاثنين، 25 ديسمبر 2017

زى فاضح أم موقف سياسي فاضح؟

يخلط الكثيرون – بما في ذلك المثقفين والمستنيرين في السودان وفي غير السودان- ما بين القانون الجنائي السوداني، وقانون النظام العام، وهو خلط غير مبرر لأن القانون الجنائي السوداني والذي لا تتجاوز نصوصه وموارده الـ(200) مادة صادر كما هو معروف في العام 1991، أي أن عمره الآن تجاوز الـ(25) عاماً، بينما قانون النظام العام قانون ولائي يصدر عن كل ولاية علي حدا من مجلسها التشريعي تبعاً لنظام الحكم الفيدرالي المطبق في السودان منذ أكثر من (20) عاماً!.
وعلي ذلك فإن القانون الجنائي السوداني قانون اتحادي، وهو القانون العقابي- الذي يعاقب علي الجرائم الجنائية- علي امتداد مساحة السودان، أما قانون النظام العام فهو يتعلق بالمخالفات الصغيرة للولاية المعنية مثل مخالفات الأسواق وتنظيم الحفلات والتشرد وغيرها.
هذا التفريق بين القانونين ضروري للغاية بل شديد الأهمية لأنه يوضح لنا بجلاء فهم النصوص الواردة فيه، فقد رسخ عند الكثيرين أن المادة (152) التي تعاقب علي ارتداء الزى الفاضح، منصوص عليها في قانون النظام العام، بينما الحقيقة أن المادة المذكورة منصوص عليها في القانون الجنائي السوداني منذ صدوره في العام 1991.
ولعل أكثر ما يدهش هنا في الجدل الثائر الآن بشأن هذه المادة أن المادة قديمة وتجاوز عمرها الربع قرن!!
وهي مدة طويلة وقد كانت كافية- إذا كان الجدل حول المادة صحيحاً وحقيقياً – لتعديل المادة، إذ أن القوانين – أية قوانين في العالم – إنما تكتسب قوتها أو يجري تعديلها من واقع التطبيق العملي لها ومدي اتساقها مع الممارسة العملية في الحقل القانوني والقضائي، ذلك أن التطبيق العملي في الحقل القانوني والقضائي هو الذي ينبغي أن يزيح الستار عن الجانب الذي يتطلب تعديلاً.
هنالك بعض الأحكام القضائية التي تقول إن عناصر المادة وصياغتها فضفاضة فهي تتحدث عن الزى الفاضح دون أن تصنع وصفاً دقيقاً لماهية هذا الزى الفاضح.
والواقع أن هذا صحيح ولكن ليس هو مربط الفرس إذ يقول الدكتور يسن عمر يوسف أستاذ القانون العام بجامعة النيلين إن الأمر يرتبط بإلزام المرأة بارتداء زى ساتر في الأمان العامة ومكان تواجد الجمهور.
وأن المقصد من ذلك المحافظة علي المرأة، والمحافظة علي المكان العام وحريات وحقوق الآخرين.
ولاشك أن ما يقوله الدكتور يسن صحيح وسليم ولهذا فإن المادة ومهما حاول المشرع ضبطها فهي عصية علي الضبط والإحكام لأن عبارة ومدلول (الزى الفاضح) تظل عبارة تقديرية ترتبط بثقافة الشخص وثقافة البلد الذي يكون فيها ومدي تقبل المجتمع أو رفضه لمسلك أو ملبس معين، فالبنطال أو الاسكيرت أو حتي (العباية) بإمكانها أن تحتمل الأمرين في آن واحد، بمعني أن كل ملبس من الممكن أن يبدو فاضحاً،أو ساتراً بحسب طريقة الارتداء وطريقة التفضيل وطريقة ما يعكسه ذلكم الزى- وعلي ذلك فليس صحيحاً البته أن نص المادة المذكورة تقرر إلغاؤه وأن ذلك مخرج من مخرجات الحوار الوطني فالمادة – وفق الجدل المثار – بالإمكان تعديلها باتجاه محاولة ضبطها لغوياً بطريقة أكثر إحكاماً كما أن بالإمكان تكثيف الدورات التدريبية لمنسوبي الشرطة والنيابة الذي يواجهون هذه المخالفات علي أرض الواقع بحيث تتطور لديهم آلية التعامل مع الحالات التي تقع تحت طائلة المادة ذلك أن إلغاء هذه المادة والتهاون في مواجهة الأزياء الفاضحة من شأنه أن يفضي إلي توسيع نطاق جرائم التحرش الجنسي، إذ أن من الغريب أن بعض الناشطات اللائي يطالبن بإلغاء هذه المادة بدعوي الحرية الشخصية يشتكين مر  الشكوى من جرائم التحرش والاغتصاب التي كادت أن تتحول إلي ظاهرة في السنوات الأخيرة في المجتمع السوداني المعروف بمحافظته وحرصه علي تقاليده!! ما هذا التناقض المشين؟ والرأي الفاضح؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق