الأحد، 24 ديسمبر 2017

إستراتيجية السودان في صيانة سيادته ومبادئه!!

اشتهرت السياسة الخارجية الأمريكية على مدى سنوات طوال بأنها غالباً ما تخفق في فهم مواقف الآخرين ومعرفة حقائق واقعهم وكيفية بناء علاقات طبيعية ومتوازنة معهم، ولكي لا نذهب بعيداً جداً ونغوص في الكتب القديمة والقوميس وسطور التاريخ نشير فقط ومباشرة إلى أحدث مثال ساطع في تاريخنا الحاضر المعاصر، فقبل أيام فقط لم تجد الولايات المتحدة حرجاً من توجيه (تهديد) علني ومباشر لأعضاء الجميعة العامة للأمم المتحدة قاطبة (أكثر من 190 دولة) إذا تجرأت ووقفت ضد قرارها بنقل عاصمتها إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل!! هذا المثال وحده يقف شاهداً على إذدراء الولايات المتحدة بالأعراف والتقاليد الدولية وعبثها المتعمد بعلاقاتها مع الدول! من هذه الزاوية يمكننا أن نقرأ سوء تقديرها لطبيعة علاقتها مع السودان، فقد وقر فيما يبدو في قلب واشنطن أن السودان (قابل للإملاء) والاستعمار الثقافي طالما أنه سعى لتحسين وتطبيع علاقاته معها. وطالما أن السودان (في حاجة) لرفع العقوبات ورفع اسمه من قائمة الارهاب! واشنطن تجرأت وطلبت من السودان الغاء مادة عقابية في القانون الجنائي السوداني سنـ1991ـة! وهي كما هو متداول (المادة 152). الطلب الأمريكي في ظاهرة إستند إلى العهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان، وهو سند للأسف الشديد ضعيف ولا يصلح للإستناد عليه لسبب بسيط وهو أن معيار حقوق الإنسان، ليس معياراً دولياً ولا معياراً أمريكياً وإنما هو معيار مبني على ثقافة وأعراف الشعوب، اذ أن الزي المحتشم وعلاوة على أنه يحفظ حقوق النساء بحيث لا يعرضهم للانتهاك أو الاغتصاب، فهو يحفظ حقوق الآخرين في الأمكنة العامة بحيث يحول دون تعرضهم للإيذاء وخدش حياءهم وشعورهم. والواقع أن السودان ومنذ تاريخ بعيد ظلت لديه نزعة استقلالية ومناعة طبيعية ضد الإملاء والرضوخ لقرار الآخرين. الدولة المهدية فضلت موت مئات الآلاف تحت قذائف كتشنر قبالة ضاحية أم درمان في القرن التاسع عشر على أن تستسلم وتدع المستعمر يمسك بمقود البلاد!!
الزعيم البريطاني الشهير ونستون تشرشل اعترف في مذكراته وفي كتابه الشهير (حرب النهر) بأنهم في حملة كتشنر قتلوا وأبادوا الجنود السودانيين ولم يهزموهم أو ينتصروا عليهم! كما أن كتشنر نفسه حين حكم السودان بعد ذلك وتعاقب من بعده الحاكمين الانجليز حرص حرصاً بالغاً على تجنب المساس بتقاليد السودانيين وأعرافهم وعقائدهم!! وكان واضحاً ان البرطانيين وعوا درس السمات الاساسية للشخصية السودانية وكونها شخصية شديدة الإعتداد بنفسها، شديدة الإعتداد بعقيدتها وتقاليدها ولديها استعداد غير محدود للموت في سبيل ذلك دون أدني تردد!!. 
الولايات المتحدة المشهورة بعدم قراءة التاريخ وعدم وضع الإعتبار لثقافات الأمم والشعوب كونها دولة (بلا تاريخ) ولا تملك عمقاً تراثياً وثقافياً يؤيه له لم تنتبه فيما يبدو لهذه الحقيقة ولهذا تهزأ بعلاقتها بالسودان، تعبث بمكوناته الثقافية، لا تبالي ان هي صادمت أسس مجتمعية وقواعد سلوك إجتماعي لا مساومة حوله! السودان من جانبه يحترم ثقافات الآخرين ولديه ديمقراطية مشهودة في هذا الصدد اذ أنه لا يتدخل في مواقف ورؤى الآخرين، ولا يعتبر أمور الآخرين قضيته وهو ما طل يدعو له كل دول العالم في سياق علاقاته الدولية ولهذا فحين تصمت الحكومة السودانية وتشيح بوجهها بعيداً عن هذه (الخطرفات) الأمريكية فإن سبب ذلك ومرده إلى أن هذه هي استراتيجية السودان الا يتدخل في شؤون الآخرين ولا يلتفت لمن يتدخلون في شؤونه، فالحكومة السودانية لم ترد على الطلب الأمريكي، تجاهلته ولم تعطه وزناً لا يستحقه، تركت الصحافة السودانية والأقلام الوطنية الحقة ترد لكي تعبر عن أعراف السودانيين فالأمر ليس قضية سياسية قابلة للأخذ والرد والمساومات، الأمر هو قضية استراتيجية تتصل بحضارة السودان وثقافته!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق