الاثنين، 30 يناير 2017

السودان والقوى الدولية.. إستراتيجية استعادة الحق!

برفع الولايات المتحدة الامريكية عقوباتها الاقتصادية الأحادية الجانب التى دامت لحوالي 20 عاماً على السودان، عقب إصدار الرئيس الأمريكي المنصرف باراك أوباما قراراته التنفيذية بتاريخ 13يناير 2017 القاضية بإلغاء الأوامر التنفيذية الصادرة ضد السودان بحظر التعامل معه وحجز أرصدته المالية، بهذا الرفع يكون السودان هذا البلد المصنف من شانئيه، بلداً ضعيفاً مثخن بالجراحات والحروب قد استعاد حقوقه السليبة.
رفع العقوبات الامريكية عن السودان لا ينظر اليه على انه (محض مكرمة سياسية أمريكية) وإنما هو نجاح استراتيجي باذخ لبلد بالكاد يضع أقدامه على التعبة الدولية، استطاع أن ينازل الكبار والأقوياء و أن ينتزع منه -باقتدار وعزة- حقوقه المسلوبة منه. ولهذا فإذا أردنا قراءة القرار الأمريكي موضوعياً فإن قراءته لا تأتى إلا من خلال الرؤية الاستراتيجية السودانية زاوية استعادة الكرامة واسترداد الذات الوطنية و مقارعة الكبار بمنطقهم السياسي نفسه والانتصار عليهم.
أولاً، أثبت السودان بجلاء انه قادر على الصمود والاحتمال مهما كانت المشاق، وهذه في حد ذاتها ميزة إستراتيجية نادرة، إذ ان بلداً مثل ظرف السودان تحتمل عقوبات اقتصادية لـ20 عاماً، دون أن تنهار آو تسقط أو تدخل فى فوضى هذا يعني الكثير جداً وهو بمثابة (مران استراتيجي) مماثل لمران ضرب النار و تمارين الرماية بالذخيرة الحية و المناورات العسكرية.
 أثبت السودان انه قادرة على احتمال هذا السلاح الاقتصادي والصمود تجاهه دون أن تنكسر نواته الصلبة، ويملك قدرة هائلة على امتصاص ضربات الاقتصاد الموجعة مهما كانت مقدار الألم وطول أمده.
ثانياً، صمود السودان وامتصاصه للعقوبات الامريكية فى واقع الأمر  أعطى نتائجاً عكسية للقوى الدولية فحواها ان السودان مستقبلاً لن يجدي معه قط هذه النوعية من الأسلحة الاقتصادية. لم تعد فاعلة ولن تجدي نفعاً.
ثالثاً، أثبت السودان -بأدلة مادية قاطعة- انه لم يرتكب ما استوجب معاقبته من الأساس والدليل على ذلك أن واشنطن استجابت لرفع العقوبات، ولو لم يكون السودان بريئاً مما أتهمته به واشنطن لما تسنى ذلك قط، وذلك ببساطة لان واشنطن لا تعرف فى قاموسها السياسي وعلاقتها الدولية شيء اسمه المسامحة، أو العفو أو المغفرة.
هي تمعنت بعين فاحصة وموضوعية فى كل سلوك السودان وحركاته وسكناته وأدركت انه لم يرتكب ما اعتقدت انه ارتكبه! هي فقط (تخشى) ان يفعل، ولديها هواجس تفسرها لصالح أمنها القومي، ولكنها لو تيقنت من اتهاماتها بأدلة قاطعة فإن من المستحيل تماماً أن ترفع العقوبات.
رابعاً، صبر و مثابرة السودان على إثبات سلامة موقفه هو من قبيل الإصرار على الحق والإصرار على الحصول على هذا الحق. وفي واقع الأمر لم يكن السودان ولن تجده يوماً يستجدي أحد بشأن حق من صميم حقوقه. هو ثابر على نيل حقوقه بالوسائل المتاحة، وقد فعل.
خامساً، العقوبات نفسها وعلى شدة وطأتها إلا أنها علمت السودان الكثير فى شأن إيجاد البدائل الاستراتيجية وفن إدارة الأزمة، وفهم طبيعة هذه العقوبات وقد رأينا كيف سارعت شركة (شيفرون) النفطية الامريكية للعودة للسودان على الفور، ورأينا كيف تتسابق البنوك الامريكية والشركات الاستثمارية الى السودان لقد كانت الضربات متبادلة، إذ بقدر ما تألم السودان من سياط العقوبات تألم (الجلاد) نفسه من بعض أطراف السوط التى تأبى إلا ان تنال طرفاً منه!
وهكذا فإن اختطاط السودان لإستراتيجية استعادة حقوقه كما فعل بشأن العقوبات وكما سيفعل بشأن قائمة الارهاب وكما قطع شوطاً محترماً بشأن الجنائية، هي إستراتيجية بالغة المهارة والذكاء وهو ما أكسب هذا البلد بجدارة قدرات استثنائية ستظل محفظة فى خزانة تاريخه السياسي تؤكد انه لا يتراجع ولا يئن ولا يقدم تنازلات إذا تعلق الأمر بحقه السليب، وسيادته الوطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق