الاثنين، 11 يونيو 2018

“نفير كردفان”

هل كانت مصادفة أن يجلس أحمد هارون في فندق ريجنسي بالخرطوم كوالٍ لشمال كردفان بالتزامن مع الذكرى السابعة لاشتعال الحرب في جنوب كردفان التي كان يحكمها في ذلك الوقت هارون نفسه؟ بالطبع فإن سؤالاً آخر ينطلق هل تمثل التنمية البديل الموضوعي للحرب والنزاع وتساهم في تحقيق الاستقرار السياسي وهل تمثل فرضية النفير البديل الموضوعي لحالة الفرقة والشتات في التركيبة السياسية السودانية؟
أسئلة متتابعة كانت تضعها ليمياء متوكل وهي تحاور الوالي في خيمة الصحفيين في ليلة تم اختيار عنوانها (النفير قيمة اجتماعية ورافعة اقتصادية.. ولاية شمال كردفان نموذجاً)، انطلقت الليلة عبر فيلم وثائقي تم عرضه في البروجكتر حيث أعاد للأذهان المفارقات التي تحدث بين أرض السمر كصور يتم عرضها وبين الحال الحقيقية التي يعيشها الناس بين جنبات وجعها. الفيلم المعروض ساعتها كان يؤكد عبر الصورة والصوت على أن تحولات إيجابية في كافة مناحي الحياة وأن مواطني الولاية التي تمتد لحوالى 700 كلم متر باتوا في واقع غير الذي كانوا عليه، وأن ونش التنمية شغال ولن يتوقف.
1
ابتدرت الليلة نقاشاتها بالغوص في ثقافة كردفان وذلك بمشاركة وزير الثقافة والإعلام في ولاية شمال كردفان والباحث في مجال التراث الكردفاني الدكتور خالد الشيخ الذي ربط بين الثقافات المتعددة هناك وبين نجاح فلسفة النفير التي لا تخرج من كونها أحد المنتوجات الخاصة بثقافة أهل المنطقة، وأن تفجير ثورة النفير كان النقطة التي التقى عندها كل المختلفين على أسس أخرى سياسية أو عرقية وصار النفير هو نقطة الالتقاء بينهم. يؤكد الشيخ على أن الكاريزما الخاصة بوصول مولانا هارون كانت أحد عوامل نجاح النفير في الولاية قبل أن يعلق على الوثائقي الذي تم عرضه تجاوز الإنجازات أو أنه توقف عند نهاية العام 2017 وأن معظم المشاريع اكتملت أو بقيت على وشك الاكتمال، وبالطبع استخدم العبارة التي بدأت وكأنها شعار في ولاية شمال كردفان (الونش شغال) بالطبع كان المتخصص في التراث والثقافة الكردفانية خالد الشيخ يؤكد على أن كردفان كانت هي حاضنة الثقافة السودانية انطلاقاً من موقعها الوسطي بين مجمل الثقافات المكونة للسودان ولأسماء كان لها تأثيرها الكبير على البلاد، بل إنها قد تتفوق على أم درمان في هذا المضمار.
2
قبل صعوده لمنصة الحديث كان والي شمال كردفان يتوقف عند الفنان عبد القادر سالم يشاركه الرقص على أنغام الجراري، وبالطبع يصعد على نغمة ثلاثية (موية طريق مستشفى والنهضة خيار الشعب)، الشعار الذي بدا وكأنه يخرج من سياسة المواجهة بين الحكومة والمعارضة التي ترفع شعار الثورة خيار الشعب، حاول صاحبه الخروج في حديثه من جلباب السياسة بأن يجعل الأمر في خيار تقديم الخدمة للمواطنين، يقول هارون ساعتها إنه عقب تسلمه منصب الوالي جلس مع مكونات المعارضة بأحزابها كافة شيوعي وبعثي ومؤتمر سوداني وأمة بأجنحته المتعددة واتحادي واتفقوا على خلع رداء السياسة والتوشح باللباس الكردفاني، وكشف أن بعض منسوبي هذه القوى اشترطوا عدم ظهورهم بشكل مباشر حتى لا يدخلوا في مواجهة مع مركزية أحزابهم.
3
يقول هارون بعد أن أشار للنقلة الإيجابية التي أنجزتها فكرة النفير في ولايته بأنه يعمل وفقاً لما يطلبه المستمعون فلا يستقيم أن يطلب أحدهم أغنية خال فاطنة للكابلي فتذاع بدلاً عنها أغنية (المستحيل) لوردي، مضيفاً أن “الزول بونسو غرضو” وهو ما بدا ماثلاً في اللافتات التي تم استقباله بها، فالكردافة لم يكونوا يريدون ساعتها غير الموية باعتبارها الأزمة التي أعيت من يداويها، لذلك كان لابد أن تكون هي المدخل لشعار النفير لكن الأمر لا ينفي بالطبع الاهتمام بالمطلوبات الاخرى والاستقرار ينفي إهمال النفير لمشروع التعليم، حيث يؤكد على حالة الانتقال من مدارس القش إلى المدارس المبنية بالمواد الثابت وهو ما أدى لتغيير في فلسفة التعليم، حيث ازدادت أرقام من يختارون المساق العلمي على حساب من يمتحنون في المساق الأدبي الذي اعتبرهم مجرد بهارات، بينما تحتاج الحلة في سبيل انضاجها أصحاب التوجهات العلمية والتطور شمل ايضاً المساق الصناعي وهو يمثل أهمية قصوى للبلاد، كما أن الحكومة قطعت مسافات شاسعة في مجالات الصحة حيث إنه من المؤمل أن تصبح الولاية في 2020 مركزاً للسياحة العلاجية في السودان والمنطقة.
4
يقول الوالي إن جعل النفير حقا خاصا به فيه التقليل من حق الآخرين فمشروع النفير هو في الأساس حق مكتسب لمواطني شمال كردفان جميعهم فهم أصحاب الجلد والرأس وأنه لا يعدو سوى كونه قائد لأوركسترا تسعى لتقديم ما يسعد الناس دون أن يكون نشازاً وأنه كان سيفقد معناه دون استجابة الآخرين، ويضيف ايضاً أن واحدة من اهم مخرجاته تنمية الاحساس بالشراكة بين كافة المكونات، حيث يرى كل فرد أنه صاحب الحق فيه هنا يستدعي قصة كان بطلها مدرب فريق هلال التبلدي إبراهومة حيث قام في إحدى المباريات بتغيير اللاعب مهند الطاهر، وهو ظلم لم يرضه البعض، وفي اليوم الثاني ذهب ليتناول قهوته عند إحدى السيدات فسألته عن أسباب تغيير مهند فرد عليها وأنت بتسأليني بياتو صفة؟ فردت عليه بسألك عشان أنا دافعة في النفير، بالطبع قصة ست الشاي تشبه قصة الدعم الذي جاء به العاملون في سوق (لحظة) من بائعي الكمونية والكوارع لدعم الدورة المدرسية وهو ما يعزز من فرضية مشاركة الجميع في نفيرهم.
5
ينفي الوالي عدم ترتيب أولويات الصرف من خلال نموذج هلال كردفان وأن الأموال كلها تذهب لصالح الفريق حين يقول إن عدداً كبيراً من مواطني الولاية يهتمون بالكرة وإن من مسؤوليات الحكومة توفير ما يريدونه. نجاح نموذج الهلال كان واضحاً في تمثيله للولاية خير تمثيل وأنه صار بعبعاً يخيف القمة وبإمكانه أن يزيحها من مكانها ويفوز بالدوري طالما أنه أصبح ينجح في جذب اللاعبين منها ويقول إنه بفضل هلال الأبيض ومشاركته تحرك اقتصاد الولاية وأنه للمرة الأولى صارت فنادق الأبيض تنال نصيبها من الزوار بالدولار، وهو ما يحسب في سياق النجاح غير أنه استطاع أن يوحد الجميع خلف رايته وبسببه صار في المدينة واحداً من أجمل الاستادات في السودان قلعة شيكان، وهو أمر يعني ان الصرف على الكرة لم يكن صرفاً بلا مقابل وإنما أثبت فعاليته وتحقيقه للغايات المنشودة.
6
لم يكن نموذج النفير في ولاية شمال كردفان نموذجاً خاليا من المشكلات فقد أشار الكثيرون في مداخلاتهم إلى أن ثمة ظواهر جديدة بدأت تجد طريقها لولاية التعايش وقبول الآخر بالإشارة للنزاع ذي الطبيعة القبلية الذي حدث في منطقة سودري مؤخراً، وهو أمر يرده الوالي للفقر ومترتباته وهو ما يقلل من جانب آخر من قدرة النفير في تحقيق التقارب بين الفئات المتعددة ونجاح رافعته الاقتصادية في زيادة الإنتاج كأحد العوامل التي تقود إلى الاستقرار باعتبارها المطلوب الأساسي لكل حكومة، وفي كل الأوقات في نهاية المطاف وقبل أن يغادر والي شمال كردفان مقعده كضيف يؤكد على رضائه مما تتحقق حتى الآن وأن الغرض الأساسي من النفير هو تشكيل بنية تحتية في الولاية، بنية ستظل باقية في مكانها ولن يحملها هارون معه إن غادر، فهو لا يستطيع فعل ذلك لأنه في الأصل لم يقم ببنائها وإنما بناها أهل البلد من أجل مستقبل صغارهم القادمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق