الثلاثاء، 12 يونيو 2018

ما الذي يعيق كتابة دستور دائم لجمهورية السودان؟

من الامور الايجابية المحمودة فى الراهن السياسي السوداني الجدل الدائر حالياً فى الساحة السياسية بشأن كتابة الدستور الدائم للبلاد. من الطبيعي ان يثور الجدل ومن الطبيعي ان يتحمس البعض، ويسعوا لانشاء دستور دائم متوافق عليه يضع اوزار الصراع والشقاق السياسي المطول الذي ظل سمة بارزة للسودان منذ نيله المبكر لاستقلاله عن التاج البريطاني مطلع يناير 1956.
والذي يتمعن فى السيرة السياسية الدستورية للسودان لا يجد مبرراً موضوعياً لتأخر وضع دستور دائم لهذا البلد، فقد افتتح السودانيون بعد جلاء الاستعمار حياتهم السياسية بالتعددية و الممارسة الديمقراطية التى كانت قريبة الشبه بديمقراطية وستمنستر الشائعة فى النظام الدستوري آنذاك، مجلس سيادة شبيه بالسلطة الملكية الدستورية فى بريطانيا، ثم حكومة يرأسها رئيس وزراء يقود السلطة التنفيذية وبرلمان يحاسب و يراقب وجهاز قضائي مستقل.
ولم يكن هناك ما يعكر صفو الممارسة السياسية تلك لولا اللون الطائفي المستند الى بعض البيوتات الدينية العريقة المعروفة، ثم ما لبث هذا اللون الطائفي ان تحول الى ممارسة سياسية اعاقت فى واقع الامر التطور الطبيعي للاحزاب السياسة. ثم جاءت معضلة صعوبة حصول حزب بعينه على اغلبية ومن ثم وقع السودان فى شراك الحكومات الائتلافية التى تتشكل من عدد من الاحزاب فى الغالب يكون تحالفها إضطرارياً ما يلبث ان يتعبثر فى خضم التحديات والمشاكل العديدة التى كانت تواجه هذا البلد.
الانقلابات العسكرية المتعددة التى حدثت فى السودان كانت تحدث نتاج طبيعي لسوء الممارسة الديمقراطية وخطورتها فى احيان كثيرة. الآن وبعد كل هذه العقود الطويلة والتجارب الصعبة المضنية فان الرؤى السياسية تكاد تجمع على ان النظام السياسي الامثل لحكم السودان هو النظام الرئاسي مع وجود (مسحة) برلمانية بحيث يكون هناك رئيس وزراء يدير الشأن التنفيذي و يرأس مجلس الوزراء.
وفي الجانب الاداري فان الرؤى تجمعت حول النظام الفيدرالي الذي يتشارك فيه المركز السلطات مع الولايات مع قدر من الاستقلال للولايات. وفي شأن التشريع فان الشريعة الاسلامية والعرف وكريم والمعتقدات مع مراعاة التنوع هي المصادر الرئيسية للتشريع. وفيما يخص هياكل الحكم هناك ايضاً مركز وولايات ومحليات ولجان شعبية.
واما وثيقة الحقوق المتعلقة بحقوق الانسان وصيانتها و العمل على حمايتها فهذه مكفولة ومنصوص عليها بوضوح فى الدستور الانتقالي القائم حالياً والذي تم انجازه فى عام 2005 بطريقة توافقية شارك فيها الجميع من كافة القطاعات السياسية و الشعبية عقب اتفاقية السلام الشامل الشهيرة.
اذن مجمل المشهد ان ملامح ومواد الدستور واضحة للغاية، فالقضايا الكلية ليست موضوع خلاف جذري، وقد شكل الحوار الوطني بمخرجاته المعروفة رصيداً دستورياً جيداً في هذا الصدد ولهذا فان كل مشتملات الوثيقة الدستورية متوفرة أضافت شيء مهم للغاية، شيء اساسي وجوهري لا يختلف عليه إثنان وهو ان هناك الان (حالة توافق سياسي) نادرة جدا وهي العنصر الموضوعي الاكثر اهمية والمطلوب بشدة لتأسيس هذه الوثيقة الدستورية بما يعني ان الظروفة مواتية الى حد كبير لكتابة دستور السودان الدائم ولا حاجة للتقيد بالشكل او القيود الزمنية طالما ان بالامكان انجاز هذا المنجز التاريخي الذي تأخر كثيراجداً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق