الأحد، 24 يناير 2016

الحكومات الانتقالية, أضرار مطلقة ومنافع نسبية!

دون الحاجة لاستباق مخرجات ونتائج الحوار الوطني الذي دخل مرحلة بلورة الرؤى وإنهاء صياغتها الصياغة النهاية, فإن هنالك أزمة ذات إستراتجية غير محببّة وطنياً فى السودان.
الأزمة بإختصار شديد تبدأ وتنتهي بأرجوحة الأوضاع الانتقالية, فالكل يعرف أن مقترح إقامة وضع انتقالي وحكومة انتقالية تعقبها انتخابات عامة, بات الآن حديث المجالس والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي.
والمشكلة هنا ليست فى المقترح فى حد ذاته ولكي نكون موضوعيين ومنصفين فهي ليست فى نوايا ومنطلقات أصحاب دعوة الحكومة الانتقالية, الأزمة فى نواحي أخرى مظلمة وخطيرة للغاية:
أولاً: لن يجادل أحد أن (أية مخرجات أو نتائج) يخرج بها الحوار الوطني واجبة النفاذ, فإن لم يكن لشيء فعلي الأقل لأن هذه هي ثمار الحوار, وضريبة التأسيس لمنصة نقاش وطنية جادة.ففي ما يلي الحكومة الانتقالية والوضع الإنتقالى عموما  فإن هذه هي (الحلقة الجهنمية) المعهودة منذ استقلال السودان، حكم تعددي يعقبه حكم عسكري ثم حكومة انتقالية ثم تعدى ثم حكم عسكري وهكذا. هذه الحلقة الجهنمية لم تعد الإطار الدستوري الملائم للسودان. السودان في حاجة إلى إستقرار حقيقي. إستقرار قائم على فرضية أن الحكم القائم الآن -مهما كانت المطاعن حوله- هو المتاح وهو الذي ينبغي أن يترك لإكمال دورته ثم يخوض الجميع -فى الوقت المقرر- الانتخابات العامة لتتأسس على ضوء ذلك حكومة أو نظام حكم متراضى عليه.
ثانياً: الحكومات الانتقالية -حسب التجربة- ومن واقع معطيات السودان السياسية هي حكومات (هشة) تخشى عادة من اتخاذ القرارات المصيرية تاركة إياها للقادمين الجدد بإرادة شعبية, وهى بهذه الصفة عرضة للإنتفاض عليها من قبل آخرين، وعرضة لإرجاع خطى البلاد إلى الوراء, وعرضة أيضاً لإفساد مناخ التحول الحقيقي وترحيل أزماتها إلى الحقبة التي تعقبها. حدث ذلك فى أكتوبر 1964 وشاع الندم وعمت الحسرة بين السادة. وحدث أيضاً فى ابريل 1985م.
ثالثاً، الحكومات الانتقالية السابقة -أكتوبر 1964م ، وإبريل 1985م- جاءت فى أعقاب حكومات عسكرية صرفة بينما الحكومة الحالية يمكن القول إنها حكومة منتخبة إن لم يكن باعتراف القوى المعارضة فعلى الأقل باعتراف المجتمع الدولي.
رابعاً، الطبيعة الذهنية السياسية السائدة لدنيا فى السودان -مع كل الأسف- أنه وفى حالة الأوضاع والحكومات الانتقالية, فإن المفهوم الذي يسود أنه ينبغي (قلب الطاولة) بكاملها وانتزاع الغرفة بالكامل من محتوياتها وأثاثاتها, والسودان بوضعه الحالي لا يحتمل هذا الأمر مطلقاً .
خامساً، هنالك حركات مسلحة تتم تغذيتها من قوى دولية معروفة وما تزال ناشطة ولديها -للأسف الشديد- ارتباطات خارجية مشبوهة كما أن لديها (أطماع ), ونوايا سيئة وفوق ذلك فهي من خلال مسلكها المشين فى العقدين الماضيين أصبحت ذات توجه عنصري ولا تبالي إذا ما أتيحت لها السانحة للإستيلاء على السلطة, وهى أمور ما تزال حتى اللحظة لم تحل حلاً جذرياً فكيف يكون وضع إنتقالى فى ظل (مهددات أمنية) كهذه؟
وأخيراً فإن الحكومات الانتقالية أصلاً يراد منها انجاز مهام معينة لتهيئة المناخ وترتيب البيت الداخل, وهذه يحلها أمور من الممكن أن تتم من خلال حكومة قومية يرأسها الرئيس البشير ومن يقبل من بقية القوى الأخرى فالمطلوب هو إجراء تأسيس لنظام سياسي متواضع ومتراضى عليه من الجميع وليس المطلوب -كما يعتقد البعض توهماً- إسقاط السلطة القائمة وإزالتها من وجه الحياة السياسية واستعادة (الدوائر المقفولة) القديمة حتى تعود (ربما) لحالتها القديمة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق