الثلاثاء، 14 أغسطس 2018

الخرطوم وجوبا.. إستراتيجية بناء المصالح و ترسيخ السلام!

 (شعب الجنوب شعبي، ولن أخذله) (لدينا مسئولية أخلاقية تجاه شعب جنوب السودان). هذه العبارات من بين عبارات عميقة ذات دلالة إستراتيجية أعمق وجدت صدى واسعاً في نفوس مواطني دولة جنوب السودان عشية الاحتفالية التاريخية الضخمة التي أقامها السودان بقاعة الصداقة بالخرطوم -الأحد الخامس من أغسطس 2018- بتوقيع اتفاقية تقاسم السلطة و الترتيبات الأمنية بين الفرقاء المتصارعين بدولة جنوب السودان.
الكلمة الواضحة الصادقة التي ألقاها الرئيس البشير على مسامع الحضور أعطت دفعة قوية ليس فقط لإحلال السلام الدائم في دولة الجنوب؛ ولكن ايضاً لإعادة العلاقات الاستراتيجية و ترسيخ المصالح المتبادلة و تعميق مفهوم حسن الجوار و بناء الدولة تأسيساً على المصالح و المنافع الاستراتيجية .
 من المفروغ منه في هذا الصدد ان مصالح الدولتين سرعان ما عادت إلى رونقها حال توقيع الاتفاق وكان مدهشاً بحق ان قيمة الجنيه السوداني حيال العملات الأجنبية سرعان ما قويت وتوقف تصاعد ارتفاع قيمة الدولار على وجه الخصوص.
أغلب الخبراء الاقتصاديين عزوا تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه إلى وثيقة الاتفاق، مع ان الاتفاق لم يزد عن كونه مبدئياً ولم يتحول بعد الى تفاصيل تمشي على الأرض. هذه الحقيقة في واقع الأمر تعود إلى عدة اعتبارات من المهم هنا النظر اليها بعين إستراتيجية شاملة:
أولاً، من المؤكد  احلال السلام في جنوب السودان سيؤدي الى توقف الحرب و الصراع  من ثم يعود الأمن و حقول النفط الجنوبي لمعاودة انتاجها وعملها. و نحن نعلم ان إنتاج النفط الجنوبي قد توقف خلال السنوات الـ5 الماضية بسبب الحرب و الصراع هناك. كما نعلم ان معاودة ضخ النفط منعناه اعادة تشغيل الأنابيب للنقل و التصدير الممتدة إلى ميناء بوتسودان، ومن ثم حصول السودان تبعاً لذلك على مقابل نقل النفط أو قيمة إيجار النقل بما يعود على السودان بالعملة الصعبة التى يعاني الاقتصاد السوداني من شحها و ندرتها.
دولة الجنوب من جانبها سوف ينتعش اقتصادها و هذا بدوره يعني انها ستصبح قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه السودان مثل التعويض المتفق عليه عقب الانفصال بان ينال السودان مبلغاً معيناً نظير أيلولة حقول النفط لدولة الجنوب و فقدان السودان لهذا المورد الحيوي الهام جراء الانفصال.
ثانياً، إحلال السلام و توقف الصراع و الحرب في دولة الجنوب يعني ايضاً ان الجارتين سوف تنشطا على الفور في ممارسة تجارة الحدود، احد أهم و أعمق وسائل تنشيط الاقتصاد وتفعيله؛ فدولة الجنوب وفضلاً عن طول حدودها مع السودان ، فهي دولة وليدة بالكاد تحصل على احتياجاتها لمواطنيها من دول الجوار، والمسافة بين مدن واقاليم دولة الجنوب مدن واقاليم السودان هي الأقصر والأقل تكلفة مقارنة ببقية دول الجوار.
 ومن المؤكد ان عودة تجارة الحدود بين الدولتين سوف يسهم في إنعاش أسواق و اقتصاد الدولتين وتشجيع الاستيراد والتصدير.
ثالثاً، عودة الأمن و الاستقرار لدولة جنوب السودان بالضرورة سوف يخلق رأياً شعبياً عاماً وقوياً ينهي أنشطة الحركات المسلحة التى تنشط في مواجهة الخرطوم . الرئيس الجنوبي كير، وفى سبيل رد الجميل قال لنظيره السوداني البشير: انه على استعداد للتوسط – تماما كما فعلت الخرطوم – لإنهاء الصراع بين الحكومة السودانية و الحركات المسلحة السودانية – اضافة إلى ذلك فان من الممكن ان تدخل جوبا والخرطوم في تجربة القوات المشتركة على غرار ما سبق وان فعلت كل من الخرطوم إنجمينا، ذلك ان من الضروري بمكان ان تصبح الحدود المشتركة مسرحاً لتبادل المنافع و المصالح الاقتصادية المشتركة لا سيطرة القوى والحركات المسلحة.
خلاصة القول ان الخرطوم وجوبا هما الآن تمثلان أنموذجاً يحتذى في الاقليم، فقد عاد ا لتضميد جراحهما ورعاية مصالح شعبيهما وترسيخ فكرة السلام و التطلع للمستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق