الثلاثاء، 14 أغسطس 2018

مكافحة الفساد في السودان.. حقائق محاذير!

يحمد للحكومة السودانية أنها أقرّت بوجود فساد، ومن ثم شرعت على الفور وعبر إجراءات تنفيذية واضحة وملموسة في استئصال شأفة هذا المرض الإداري السياسي اللعين.
ومن أهم الآليات الفاعلة لمكافحة الفساد التى تمت ترجمتها على ارض الواقع: 1/ إنشاء وحدة متخصصة للتحقيق وتلقى الشكاوي ومتابعة الملفات مزودة بصلاحيات قانونية وقضائية كافية. 2/ إنشاء محاكم مختصة متفرغة للفصل في قضايا الفساد باشرت أعمالها بالفعل وشرعت في نظر القضايا المحالة إليها والتى تنشر الصحف ووسائل الإعلام وقائعها بصورة راتبه. 3/ توقيف وملاحقة كل من تدور حوله أحاديث فساد محتملة إذ أن هناك بالفعل عشرات المقبوض عليهم والذين يضعون لتحقيقات مكثفة.
هذه الإجراءات التى يعرفها الكل في السودان يمكن اعتبارها إجراءات عملية من شأنها بالفعل محاصرة هذا الداء الذي بات يتهدد هيكل الدولة و يؤثر في حركتها اليومية. ولا شك ان إقرار الحكومة السودانية بوجود فساد ومفسدين يحسب لصالحها، فهي مارست شفافية كاملة وأقرت بوجود بعض المفسدين، ولكن من الجانب الآخر فان من المهم ان نمعن النظر الى أمر أكثر أهمية وخطورة.
 فمن جانب أول فان مقتضى ملاحقة الفساد والمفسدين تنظيف ثوب الدولة – بكافة أجهزتها ومؤسساتها – من درن الفساد، وهذا الإجراء يتطلب ان يكون كل إجراء أو تحرك مستنداً الى نصوص القانون ودون الحاجة إلى اخذ الناس بالشبهات والشائعات والأحاديث المرسلة، هذا فان وحدة مكافحة الفساد تم تزويدها بوكلاء نيابات وقضاة لكي يكونوا (مصفاة) عدلية تمنع أي تغول على حقوق الناس او تأخذ الناس بالشبهات.
هذه النقطة مهمة للغاية، ان المقصد الاستراتيجي لعملية مكافحة الفساد هو القضاء عليه و تنظيفه ثياب الدولة منه وفي ذات الوقت إخافة وردع الذين يودون ممارسة هذا الفساد بإيصال رسائل واضحة لهم ان عين السلطة تراقب كل شيء ولن تتوانى في ضبطهم.
ومن جانب ثاني فان عملية مكافحة الفساد وان كانت قد تؤثر على بعض الناس في سمعتهم و في تأهيلهم وفي الثقة فيهم إلا ان كل ذلك ما ينبغي ان يضعف همة الأجهزة المختلفة في المضي قدما باتجاه القضاء على هذا الداء.
ومن جانب ثالث فان أجهزة الاعلام مطالبة -في هذا الظرف الدقيق بحق- بتوخي أقصى درجات الحيطة في النشر واطلاق الاتهامات لان وجود وحدة متخصصة لمتابعة الشكاوي و الملفات المشتبه بوجود فساد فيها يغني عن اخذ الناس بالشبهات و الشائعات، وان الجانب الأهم في هذه المعادلة تجنب تشويه صورة المؤسسات الحكومية او السياسية لمجرد وجود مشتبه به لم تقرر جهات التحري و الحقائق بعد ما اذا كان هذا المشتبه به متهماً محتملاً أم لا.
أخيراً، فان من الممكن ان يستغل البعض هذا المناخ لصالح أجندات شخصية لتصفية حسابات سياسية وهذا قد يهدم جوهر فكرة القضاء على الفساد حين يرتكز على أسس الخصومات السياسية و التنكيل بالآخر. وعلى ذلك فان قضية الفساد من القضايا الاستراتيجية التى لا ينحصر أثرها فقط على معاقبة المفسدين او استرداد المال وإنما يتعدى ذلك لإصلاح الممارسة السياسية والإدارية في هيكل الدولة، وكلما كان هيكل الدول ممثلاً في الخدمة المدنية و الاجهزة المؤسسات النظامية و المنظومات السياسية هيكلاً مستقيماً قوياً؛ كلما كنت الدولة السودانية قوية وقادرة على البقاء و استشراف المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق