الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

دستور السودان الدائم.. قضية المرحلة الراهنة الملحة!

تدخل قضية كتابة دستور دائم جديدي لجمهورية السودان في الأيام القليلة المقبلة حيز التنفيذ، فقد حرص الرئيس السوداني المشير البشير لدى مخاطبته شعب السودان إبان مناسبة عيد الأضحى المبارك -الأسبوع الفائت- على التأكيد على هذه النقطة التى تعتبرها الحكومة السودانية نقطة إستراتيجية مهمة.
الرئيس البشير قال في خطاب التهنئة بالمناسبة ان الرئاسة السودانية سوف تصدر قرارا بتشكيل لجنة تختص بإبتدار المناقشة حول دستور السودان الدائم .
 ومن المؤكد ان قضية الدستور الدائم في السودان من القضايا الاستراتيجية الملحة حيث يدرك المهتمون بالشأن السياسي السوداني ان واحدة كبريات معضلات هذا البلد خوله من دستور دائم يرسي عملية التداول السلمي للسلطة و يقسم الدستور السلطات والصلاحيات بين المركز و الولايات ويرسخ الاستقرار السياسي المنشود.
لقد ظلت قضية الدستور الدائم تترحل عاما بعد الآخر منذ ان نال السودان استقلاله في يناير 1956 و حينها لم يتسن للساسة السياسيين وضع دستور دائم ومكتوب، و لهذا فقد تمت صياغة دستور مؤقت في العام 1956 سرعان ما اضطر الساسة لإدخال تعديل عليه في العام 1964.
دستور 1956 المعدل لم يكن سوى ترجمة مباشرة للوثيقة التى تمت كتابتها إبان قيام المجلس الاستشاري للسودان في العام 1953 و الذي سبق استقلال السودان. وظلت الأمور تمضي بدساتير مؤقتة حتى بعد ثورة اكتوبر 1964 التى أعطت زخماً ثورياً و سياسياً كان من المؤمل ان يسفر عن دستور دائم.
وحين شرعت الجمعية التأسيسية التى جاءت بعد اكتوبر 1964 في الإعداد لدستور دائم تمت صياغة مسودة جرت مناقشتها في العام 1968 فان أحداث مايو 1969 التى غيرت الأوضاع سرعان ما قضت على ذلك المشروع واصدر نظام مايو دستور 1973 وأطلق عليه وصف الدستور الدائم، و لم يصمد الدستور المايوي سوى لأقل من 12 عاماً لتتم الإطاحة بمايو في انتفاضة ابريل 1985 .
وسرعان ما تم الاتفاق في عهد السلطة الانتقالية على دستور 1985 الانتقالي والذي لم يتسن إصدار دستور بعده حتى جاءت الانقاذ في 30 يونيو 1989 لتصدر مراسم دستورية متتالية ثم جاء دستور 1998 و استمر العمل به حتى تم توقيع اتفاق السلام الشامل في 2005 لتيم سن الدستور الانتقالي الساري حالياً و الذي تم إدخال عشرات التعديلات عليه ليتواءم مع المستجدات التى طرأت مثل الانفصال النوبة وسلطات الولايات وكيفية اختيار حكام الولايات وغيرها.
من الواضح إذن أن الدستور الدائم للسودان ظل حلماً بعيد المنال، في كل مرحلة من مراحل الحكم تتم كاتبة دستور انتقالي او مؤقت ثم ما يلبث ان تجري عمليه تفضي في نهاية الأمر إلى ضرورة قوية لكتابة دستور دائم.
والواقع ان معطيات كتابة دستور دائم في هذا الوقت أصبحت واضحة، لا لبس فيها: أولاً نجح السودانيون في خلق (حالة توافق وطني) تاريخية نادرة عبر مشروع الحور الوطني الممتد من العام 2014 حتى العام 2016. مخرجات الحوار أصبحت افصل مادة سياسية وقانونية لصياغة دستور دائم فالكل أدلى بدلوه و اتضحت كافة الرؤى و الأبعاد بصورة لم تسبق لها مثيل ، ولهذا فان كل من يزعم وجود ممانعين او مخالفين او حتى حلمة سلاح خارج نطاق التوافق فانه يبالغ و يحمل الأمور فوق ما تحتمله إذ أن مخرجات الحوار نالت رضاء غالب السودانيين بمختلف رؤاهم ومشاربهم و مواقفهم، وفى الواقع ليس من الممكن حدوث حالة إجماع شاملة.
ثانياً، كثرة التعديلات التى باتت تدخل على الدستور الانتقالي 2005 جراء المستجدات المتوالية تتطلب وضع دستور دائم لا يستحمل التعديل على المدى القريب، فقد ثبت ان تقاطع الآراء و عدم الاتفاق على رؤى كلية للقضايا الوطنية قد تسبب في السابق في هذه المشكلة أما الآن فان السودانيين قتلوا قضاياهم بحثاً و حواراً و آن الأوان لصياغة دستور دائم.
ثالثاً، يس من المنساب -مهما كانت المبررات- الإكثار من إدخال التعديلات على الدستور وهو أصلاً دستور انتقالي الغرض منه حكم فترة الانتقالية المحددة، فهو ليس دستور دائم وهو ارتبط بحقبة اتفاقية السلام الشاملة التى مضى عليها أكثر من 13 عاماً حتى الآن تغيرت فيها أمور كثيرة.
ان قضية الدستور في هذه المرحلة قضية إستراتيجية حياتية مهمة اذ من الضروري وضع دستور دائم يرسخ استقراراً لهذا البلد الذي بدأ يتعافى من مشاكله و أزماته المزمنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق