الخميس، 12 أكتوبر 2017

وقود (الحروب)!!

الأسبوع الماضي كشفت قيادات بارزة بمنطقة بولاية جنوب كردفان عن عمليات تجنيد واسعة تقودها الحركة الشعبية وسط أطفال جبال النوبة، مشيرة لترحيلهم إلى معسكرات “ايدا” بدولة الجنوب، وتدريبهم للمشاركة في الحروب هناك.
واتهم منشق سابق عن الحركة الشعبية قطاع الشمال بتجنيد الأطفال دون سن العاشرة، كاشفاً عن تجنيد العشرات مؤخراً من محليات الرشاد وأم دورين وهيبان. لافتاً إلى أن قادة قطاع الشمال يحاولون سد النقص في قواتهم التي فقدوها خلال العمليات العسكرية الأخيرة.
المراقب لجملة المشهد خلال السنوات الماضية، يلحظ أن تجنيد الحركات المسلحة للأطفال القُصَّر أمر ظل يتكرر منذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى أيام القتال الضاري الذي كانت تشهده ساحات الجنوب بين الجيش الشعبي والقوات المسلحة السودانية.
تأريخيا يقال إن د.جون قرنق في ذلك الحين ابتكر هذا الأسلوب المخالف للمواثيق الدولية سعياً منه لإنشاء ما كان يعتقده بالسودان الجديد.
المتابع لمسيرة الحركات المسلحة بالسودان يدرك أن تجنيد الأطفال ظل نهجاً مستمراً واستراتيجية مدروسة للحركات المتمردة في دارفور والمنطقتين دون مراعاة للقوانين الدولية التي تحظر تجنيد القُصَّر واستيعابهم في صفوف القتال.
فالحركات المسلحة فقدت الكثير من جنودها بسبب الحرب مع الحكومة، أو لجوء بعض الحركات إلى السلام كخيار، بجانب الانشقاقات التي ضربت صفوفها، لكنهم أشاروا إلى أن الحركات ليست لديها ضوابط في التجنيد، وتعتمد على القبلية، والجهوية، وذوي القربى في التجييش.
وقائع الأحداث في دارفور والمنطقتين سجلت منذ اندلاع التمرد، تنفيذ الحركات المسلحة لحملات واسعة لتجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشر، وزجَّهم في المعسكرات داخل وخارج السودان، وتدريبهم على كافة فنون القتال.
أمام هذه الجريمة اللا أخلاقية فإن منظمات الحكومة السودانية والمجتمع الدولي مطالبة بالتدخل الفوري لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم المنافية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
لجهة أن تجنيد الأطفال يُحدث آثاراً نفسية واجتماعية يصعب معالجتها، فإشراكهم في الحروب يحرمهم من أهم حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية، ومن فرص النمو الجسدي والعاطفي، بجانب وجود حالات تحرش جنسي بين الأطفال المجندين مما يؤدي إلى فقدانهم الثقة في الكبار.
هؤلاء الأطفال هم من يجنون ثمار تلك الحرب من تدمير وتشريد وقتل وترويع للطفولة وضياع للمستقبل.
هؤلاء الأبرياء يلاقون الويلات والضياع في الحروب، وهم أولى بإنصافهم واعطائهم حقهم في التعليم والأمن والسلام كاملاً غير منقوص.
المطلوب الآن تخليص هؤلاء الأطفال من براثين هذه الحركات التي لم ترحم طفولتهم ولم تدعهم يعيشونها كما ينبغي، وهول حرب سيقوا إليها مجبرين ومكرهين، لا لذنب جنوه غير أنهم ذهبوا إلى معسكرات اللجوء هرباً من جحيم الحرب، فوجدوا أنفسهم وقودًا لها، بأمر قادة هذا الحركات المتمردة.
الأمر يحتاج الى تدخل دولي يمنع مثل تلك الممارسات التي تقتل الطفولة داخل هؤلاء مرتين، الأولى بعدم توفير هذه الحركات طفولة آمنة لهم بإيوائها في معسكرات الإيواء التي لجأوا إليها هرباً من الحرب.. والثانية حين تقذف بهم في أتون الحرب حتى يكونوا وقوداً لها عبر تجنيدهم قسراً.
والمجتمع والرأي العام إن صمت عن تلك الممارسات ولم يضغط في اتجاه ايقاف هذه الجرائم يكون بذلك إذًا كمثل قادة هذه الحركات التي تقتلهم مرتين، وسيكون صمتنا على ذلك بمثابة (القتل الثالث) لهؤلاء الأبرياء الذين ينتظرون منقذاً لهم مما هم فيه.
المطلوب الآن تحرك دولي عاجل لتوقف هذه الجرائم بحق الأطفال، ولتنهي الروح الشريرة التي تتملك أعداء الطفولة والإنسانية وتجار الحرب عن فعل ذلك الامر المشين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق