الأحد، 5 فبراير 2017

"قوة الدبلوماسية"

لم يكن قرار رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان من قبيل المصادفة بل جاء نتاج محادثات ولقاءات ومبادرات من قيادات الدولة مع نظرائهم من الجانب الأمريكي ، وعلى الرغم من أن تلك المبادرات التي أستمرت زهاء السبعة عشر عاماً الا أنه لم يفصح عنها بصورة مفصلة لوسائل الإعلام  فقد ظلت تلك اللقاءات مستصحبة في ابرز عناوينها تطمينات الحكومة بشأن جهود إيجابية ستثمر عن رفع العقوبات خلال الفترة المقبلة . وكانت ردود فعل الشعب السوداني حينها مابين التفاؤل والتشاؤم لجهة أن الوعود الأمريكية تكررت في هذا الشأن. المركز السوداني للخدمات الصحفية أعد سلسلة تقارير حوت تفاصيل الحوار بين الخرطوم وواشطن منذ بدايته وحتي لحظات التوقيع.
ولما كانت العقوبات الإقتصادية المفروضة على السودان مرتبطة ارتباط مباشر بقضية الإرهاب ووضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب ، اجمع المراقبون على أن جهود السودان في مكافحة الإرهاب كانت الدافع الأقوي للولايات المتحدة لإعادة النظر واصدارها قرار رفع العقوبات عن السودان ، خاصة وأنه بذل جهوداً عديدة لمحاربة ظاهرتي الإرهاب وغسل الأموال منذ تسعينات القرن الماضي ، مما عكس إهتماماً متزايداً تمثل في الإتجاه نحو الإلتزام بالمعايير والمتطلبات الدولية خاصة فيما يتعلق بتعزيز الدور الإشرافي والرقابي على المصارف والمؤسسات المالية وغير المالية . ومضت خطط الدولة الإستراتيجية في محاربة الإرهاب إلى أن وصلت ذروتها في التعاون الدولي مع المؤسسات المالية والدولية في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعلى المستوى التشريعي والعدلي أصدر السودان قانون مكافحة غسل الأموال لسنة 2003م والذي حمل بين طياته إنشاء لجنة إدارية عليا لمكافحة هذه الجرائم وتوفير أقصى حماية من مخاطر مثل هذه الجرائم. وعلى رأس تلك التشريعات قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001، قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لسنة 2010 المعدل 2014م، كما استضاف عدداً من المؤتمرات الدولية لمحاربة الإرهاب.. جميع هذه الجهود دعت بعض أصحاب السياسية والرأي في الولايات المتحدة للمناداه بضرورة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ليتبعها خطوات جادة في رفع العقوبات الإقتصادية عن السودان نظير تلك الجهود وهو ماحدث بتوقيع الرئيس الأمريكي السابق على قرار رفع العقوبات عن السودان.
لاريب أن العوامل الدولية والإقليمية ساهمت في التعجيل برفع العقوبات عن السودان خاصة النزاعات الإقليمية والعمليات الإرهابية التي تتم في الإقليم والأوضاع الأمنية المضطربة في جنوب السودان ولما كان للسودان دور في استتباب الأمن في دول الإقليم و برز كشريك أمني في حل هذه النزاعات ، كما أن الأزمة الليبية ساهمت بصورة مباشرة في خلق حوجة أمريكية لكل دول الجوار على رأسها السودان للعمل من أجل حصرها داخل حدود ليبيا وعدم السماح بامتدادها لأي مكان آخر ولدعم عملية محاربة تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا.ومثلت جميع هذه المعطيات استحقاقاً للسودان برفع العقوبات.
وقالت أماني الطويل الخبيرة في الشؤون السودانية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية إن براغماتية المصالح تتحكم في مسار التقارب، فالخرطوم بحاجة لتخفيف العقوبات بينما واشنطن تحتاج إلى مزيد من تعاون السودان في قضايا أمنية حرجة ، منها خاصة مواجهة الإرهاب وقد أبدى البشير بالفعل مرونة في التعاون مع أجهزة الإستخبارات الأميركية وقالت ان أهمية الدور السوداني تزداد في ظل تمدد تنظيم داعش في بعض دول شمال ووسط أفريقيا.
معلوم أن القارة الأوربية تعتبر الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة لذا يبدو أن موجة اللاجئين غير الشرعيين التي اجتاحت أوروبا جعلت السودان في موقف قوي امام القارة الأوربية من خلال محاربته للظاهرة مادفع الولايات المتحدة أن تعجل برفع العقوبات املاً في أن يستمر السودان في منع لاجئي دول القرن الأفريقي من دخول الأراضي الليبية لركوب البحر والهجرة إلى أوروبا.
وكانت وسائل اعلام امريكية قد نشرت تقارير حول حاجة الولايات المتحدة الي التعاون الأمني بينها والسودان . واشارت وسائل الإعلام الي أن ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺗﻌﺘقد ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻠﻌب ﺩﻭﺭاً ﺃﻛﺒﺮ حليف ﺃﻣﻨﻲ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤدة في المنطقة نظراً لموقع السودان الجغرافي ، فضلاً عن ﺗﻮﺳﻊ ﺃنشطة ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﺭﺓ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ، كما اشارت إلي أن ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ عناصر مدربة ومؤهلة.
ومن خلال متابعة الساحة السايسية ندرك أن السودان إستطاع خلال الفترة السابقة أن يحدث إختراقا في العلاقات الدبلوماسية خاصة مع دول الخيلج العربي والسعودية ، وتواصلت جهودة في الإهتمام بملف العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والأفريقية وكان لمحور الحوار مع الولايات المتحدة جانباً مهماً في اجندة الجهاز التنفيذي للدولة وظل محور رفع العقوبات أجندة رئيسية على طاولة الحكومة ، وعقب اللقاءات التي تمت بين مسؤولي الحكومة وكبار المسؤولين الأميركيين أصدر الرئيس البشير توجيهات رئاسية للحوار مع واشنطن من أجل الوصول إلى تفاهمات مشتركة بما يحفظ مصلحة السودان ورغبته في إقامة علاقات طبيعية مع دول العالم تكون مبنية على التفاهم المشترك والإحترام المتبادل.
وعكفت اللجنة العليا للعلاقات السودانية الامريكية في عدد مناقشة عدد من الملفات غير انها لم تخرج اعمالها للعلن إلا بعد ان اكملت جميع الملفات التي أدت لرفع الحصار الأمريكي على السودان ، وقد بلغت اللقاءات 23 اجتماعاً بين الجانبين بمتابعة رئيس الجمهورية ونائبة الأول ، وكانت اللجنة من الجانب الأمريكي قدمت للجانب السوداني خطة من خمسة مسارات يقضي الإلتزام بها برفع الحصار الإقتصادي عن السودان،  وتمثلت المسارات الخمسة في  مكافحة الارهاب ومكافحة جيش الرب ، ودعم السلام في دولة جنوب السودان وعدم دعم التمرد في الجنوب ، ووقف الحرب في منطقتي جبال النوبة والنيل الازرق وإيصال المساعدات الانسانية لمناطق النزاع ، وعدم طرد المنظمات فيما يختص بالشأن الانساني
وطرحت اللجنة السودانية على الجانب الأمريكي استمرار دعم دولة جنوب السودان عن دعم الحركات السودانية المتمردة وعملها على زعزعة الامن في السودان . وبالنسبة للحرب في المنطقتين نوهت لوجود طرف اخر يقاتل الحكومة وهو الحركة الشعبية قطاع الشمال. كما أن وقف الحرب ليس في يد الحكومة السودانية وحدها. وفي الشان الانساني تمسك الجانب السوداني بضرورة هبوط الطائرات التي تحمل المساعدات في الابيض قبل ذهابها لمناطق النزاع ليتم تفتيشها، وفي طريق عودتها تعود لمطار الابيض لتخضع للتفتيش أيضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق