الثلاثاء، 21 فبراير 2017

إجراء لا يحتمله الأمن القومي للدولة مطلقاً!

حل جهاز أمن الدولة عقب الانتفاضة الشعبية في السادس من ابريل 1985م يعتبره الساسة والمراقبين في السودان وعلى اختلاف رؤاهم ومواقفهم واحداً من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التى ارتكبتها القوى السياسية، وهي في خضم هياجها الثوري عقب الإطاحة بنظام الرئيس الراحل جعفر النميري.
وأغلب الساسة الذين سئلوا لاحقاً عن الحكمة من وراء قرار خطير كهذا لم يجدوا تبريراً سوى الزعم أن القرار كان رغبة شعبية. غير انه سرعان ما بدا للكل، ان ثمن القرار كان باهظاً للغاية وأنه لم يكن موفقاً قط وأن ما لحق بالدولة السودانية جراء القرار ما تزال آثاره تتوالى إلى الآن، وكان خلاصة التجربة المريرة المؤسفة ان جهاز الأمن لا غنى عنه قط لأي دولة، لأنه ببساطة شديدة ما من دولة تعيش الآن على الكرة الأرضية وهي بمنأى عن المهددات الأمنية التى ليس بالضرورة مهددات ذات صبغة أمنية أو سياسية لأن مفهوم (الأمن القومي) في عصرنا الحاضر اتسع نطاقه اتساعاً لم يسبق له مثيل عقب التطور التقني والهائل والمدى البعيد الذي وصلت اليه الابتكارات البشرية في شتى مناحي الحياة.
 من هذه الزاوية يمكننا ان نشير بقدر من الموضوعية إلى ان ما قد يتبادر إلى ذهن بعض الساسة في السودان من أن يتحول جهاز الأمن إلى مجرد أداة لجمع المعلومات وتحليلها فقط هو في واقع الأمر، تصور نظري غير سديد ولا يتماشى مع حقائق الأوضاع مهما استقر هذا البلد وتداوت جراحه وتعافى. الامر هنا مرتبط بالأمن القومي للدولة السودانية كدولة وليس كحكومة والدولة كما هو بديهي ومعروف لها صفة البقاء والديمومة، أما الحكومات فهي زائلة ومتغيرة لا محالة.
 ربما يجهل البعض طبيعة المهددات الأمنية التى تجابه الدولة السودانية، وربما يتغافل البعض عنها وهناك بعض آخر يدفعه غبن خاص او غضب ولكن في المحصلة النهائية فإن الأمر إنما يُقاس بما هو واقع و على الأرض. فهناك أنشطة سياسية معادية للدولة السودانية إذ ان للسودان أعداء بذات القدر الذي أصدقاء وهناك ضعاف نفوس و الوازع الوطني لديهم ضعيف أم منعدم، بعضهم ارتضى العمل لصالح قوى خارجية بدواعي التظلم بمظالم تنموية.
 هؤلاء للأسف الشديدة ينشطون داخل مجتمع السودان بطرق وأساليب شتى. هناك حركات مسلحة ذات نزعة تخريبية للبنية التحتية، الطرق والكباري، المنشآت العامة. هناك مستهدفين لاقتصاد السودان سواء عبر أنشطة تهريب السلع وبضائع إستراتيجية، أو إدخال سلع و أشياء محظورة، بل ان الممارسة السياسية الحزبية في السودان ما تزال لا تفرق بين ما هو أمر يمس صميم نواة الدولة وما يمس الخصوم السياسيين في الحكومة او السلطة!
هذا الخلط المريع شائع بدرجة مفزعة للغاية وربما تطلب عقوداً من السنوات لاستكمال فهمه واستيعابه! هنالك أنشطة لجماعات متطرفة –عابرة للدول والحدود– وما بات يعرف بالجماعات الإرهابية وهذه تحتاج دون شك لمتابعة و مواجهة في بعض الأحيان. الأمثلة كثيرة وعصية على الحصر. وما من بلد فى الدنيا يتهاون في أمور إستراتيجية كهذي على الإطلاق. لهذا فإن اطلاق الدعوة لحصر وظيفة جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها لا يعدو كونه توجيه دعوة مفتوحة لأعداء الدولة السودانية، بل حتى أصدقاءها للعبث بأمنها القومي!
مجمل الأمر إنما يتمثل في إيجاد موازنة معقولة تصحبها شراكة وطنية بين الحكومة والقوى السياسية للمحافظة على بناء دولة سودانية قوية لها (أسنان) بقدر ما لها ابتسامة وضيئة وأيدي حانية دافئة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق