الاثنين، 20 فبراير 2017

المهدي حليفاً، ولكن بلا عُمامة!

السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في السودان، إمام الأنصار يمكن اعتباره نموذجاً مثالياً للغاية للتناقضات والمتناقضات السياسية. الرجل -كما يعرفه المراقبون محلياً ودولياً- خاض عشرات حالات التناقض والتصادم في حياته السياسية
الحافلة بالغائب والعجائب! وكان في كل حالة يثير الاستغراب بأكثر من الحالة التى سبقتها.
 ولكي لا يكن قولنا من باب اطلاق القول على عواهنه، أو مجرد توجيه نقد انطباعي عام عن الرجل فإننا هنا نكتفي بمثال واحد حديث للغاية لم تمض عليه أيام قلائل. ففي بيان صادر عن مكتبه الخاص الأسبوع الماضي ورد أن المهدي يرفض تولى رئاسة قوى نداء السودان -(قوى سودانية تجمع بين حملة السلاح أو أحزاب معارضة)- وبرر المهدي رفضه الرئاسة بحسب البيان (إن التحالف المسمى بنداء السودان يضم فصائل مسلحة لا تقبل المساءلة عن تصرفاتها)!
 مكمن التناقض هنا من الوضوح والمباشرة بحيث يثير الدهشة لأعلى درجة متصورة. كيف ذلك؟ المهدي جزء من تحالف قوى نداء السودان ويمكن اعتباره عضواً مؤسساً لهذا الجسم المعارض، وقد تم التأسيس وانجذب المهدي له نكاية في مشروع الحوار الوطني الذي خرج منه المهدي لأسباب أدهشت حتى قادة حزبه!
 المهم، تحالف نداء السدان عند تكوينه حوى فيما يحوى حركات مسلحة ما تزال تحمل السلاح وتقتل وتنهب وتسرق وبعضها امتهن مهنة المقاولات الحربية في الخارج بالقتال في دولة جنوب السودان وليبيا بمقابل مادي وسلاح وعتاد! المهدي كان يعرف ان هذه الحركات المسلحة ليس لها كابح ولا تملك قدراً من العقل لتسيطر على أفعالها وأفقها السياسي الضيق إن لم يكن معدوماً ومع ذلك ارتضى ان يجمعه (تحالفاً سياسياً) معها تحت مسمى نداء السودان!
 الأمر الأكثر إدهاشاً هنا ان أي تحالف يفترض أن لديه (مبادئ) و (برنامج سياسي) وهيكل تنظيمي! فلو قلنا ان التحالف لم تكن لديه هذه الأساسيات البسيطة المعروفة، فإن من الغريب ان يستقل المهدي مركباً سياسياً لا يعرف وجهته ولا طاقمه ولا المحطات التى سيرسو عليها! وإن قلنا إن المهدي كان يعلم أن حملة السلاح لا يمكن مساءلتهم -كما قال في بيانه هذا-فإن من الغريب ان تتحالف مع أناس لا كابح لهم ولا أحد يسألهم عما يفعلون!
 أما ذروة ما يدهش أن المهدي ارتضى ان يكون حليفاً (عادياً) في تحالف فيه حملة سلاح كعضو عادي بما يعني أن الرجل (أخضع نفسه) لتحالف يمكن لمن لا يستطيع مساءلتهم عن تصرفاتهم أن يسائلوه هو عن تصرفاته! وإذا قلبنا الأمر وقلنا ان المهدي لن يقبل بأن يسألوه، تماماً كما هم لا يقبلون المساءلة فإننا حيال تحالف لا أحد بوسعه أن يساءل الآخر عن تصرفاته. ومن ثم يكون هذا (أي شيء) سوى أنه تحالف سياسي!
 وأخيراً ونتمنى أن يكون آخراً فإن المهدي -بحسب مدير مكتبه الخاص- تضايق جداً من وصفه بصفة (الإمام) في اجتماع نداء باريس وقال لجلسائه في التحالف إنه هنا بصفته زعيم حزب! أي (بلا عمامة دينية)! ولا يعرف بالطبع هل نزع العمامة الأنصارية هذا من المهدي تم بناء على مخاوف شخصية من جانبه بأن يكون (زعيماً دينياً مرموقاً) وسط قوى مسلحة ذات نزع علمانية؟ أم أن الرجل استشعر (سخرية مبطنة) في ثنايا صفة الإمام التى يطلقها عليه حلفائه وأراد وضع حد لهذه السخرية اللاذعة؟
 على كل وفي كل الأحوال يظل الرجل حبيساً لتناقضاته السياسية أسيراً لتحالفاته المدهشة دون أن تنتهي عجائبه وغرائبه السياسية الشديدة الأسف والحرج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق