الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

هل تكافئ الحكومة شعبها..؟

لم تفلح قوى المعارضة وناشطوها من خارج البلاد من خلال دعواتهم التي أغرقت شبكات التواصل الاجتماعي، في الحصول على تعاطف الشعب السوداني وتلبيته لما يسمى العصيان المدني وتبخرت في الهواء كما الدخان صيحات وصرخات المعارضة وخاصة اليساريين، إذ لم تتوقف الحياة في الخرطوم ولم يتغيب كل العاملين في القطاعين العام والخاص عن مواقع عملهم، ولم تغلق المتاجر والمخابز وكافة المرافق والمحلات أبوابها، ولم تجمد حركة المواصلات في أماكنها ومواقفها ومحطاتها، كل شيء كان طبيعياً وسالكاً وسهلاً، وذهبت دعوات المعارضة أدراج الرياح.
لماذا ذلك ..؟
رغم قسوة الإجراءات الاقتصادية وفداحة أثرها.. كان الشعب السوداني أكثر وعياً من المعارضة، يمكنه أن يتحمل شظف العيش ويعيش على الأسودين التمر والماء، لكنه لا يمكن أن يعيش دقيقة واحدة في ظل الفوضى والخراب ورائحة الحريق .. لذلك اختار الصبر على مكاره حزمة السياسات الاقتصادية وضرامها وفضلها على بؤس المعارضة التي لن توفر له لا لقمة عيش ولا هدأة بال ولا شربة ماء ولا طمأنينة تظلل حياته وتجنبه سوء المنقلب في المال والولد.
واختار الشعب طريقته الفريدة وهو يقيم الأوضاع ويقدرها بقدرها، لم ينخدع بأولئك القابعين في الأرصفة الباردة البعيدة في بلدان الصقيع أو الجالسين في الغرف المكيفة في دول المهجر المختلفة المتخفين وراء شاشات الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية يظنون أنهم سيحركون الثورة ويسقطون الحكم بمجرد كبسة زر مرتعشة مرتجفة وهم وراء الحدود، شعبنا العملاق لا يمكن غشه واستحماره واستغفاله بترهات لا قيمة لها وأكاذيب لا تساوي قيمة الثواني والدقائق التي كتبت فيها البوستات والرسائل الالكترونية، وهي دعاوى وافتراءات لو سخرت السعات التي حملت فيها على شبكة الانترنت لما هو أفيد كان خيراً للمعارضة ولنا من هذه اللجاجات والسذاجات الصبيانية الباهتة.
لم تكن الخرطوم بالأمس إلا هي .. مدينة هادئة ووادعة استقبلت يومها بشروق صباحها الدافيء، بنشاط وهمة عالية، تكحلت أعينها بمرأى ومشاهد العمال في طريقهم لورشهم ومصانعهم والزراع الى جروفهم وحقولهم والتلاميذ والطلاب الى مدارسهم وجامعاتهم والموظفين الى مقرات عملهم بعد ان حملوا معهم صحف الصباح، ووضع كل منهم كوب القهوة على طاولة مكتبه وبدأ يومه الجديد، وليس في باله وخاطره الا العمل والكد والاجتهاد، لم يشوش طنين المعارضة في أذان الجماهير الواعية المدركة قيمة العمل وما ينتظره بلد مثل السودان، قضت الخرطوم يومها وودعت سحابة نهار الأمس وانصرف الناس الى منازلهم في احياء العاصمة المترامية الأطراف والكل يسخر ويضحك حتى تبين نواجذه على المعارضة الموهومة وهي تحلم بإسقاط النظام بواسطة الريموت كنترول من الخارج ..
لا يهم إن أقبل أهل المعارضة بعضهم على بعض يتلاومون ...! لقد خسر البيع وطاش السهم بعيداً وارتد الكيد الى النحور المتعطشة للخراب .. واندلق رماد الحريق الحرام وغطى وجوههم وأعينهم الحاقدة، ولم يعد في الكأس ما يشرب ولا في القداح ما يروي، وهم قد احتسوا كل مرارات الهزيمة وحنظلها.
فاذا كان هذا هو الشعب المعلم..
ما الذي ستفعله الحكومة له ..؟ وكيف ستكافئ الحكومة شعبها الوفي هذا ..؟
الحكومة تعلم ان اجراءاتها الاقتصادية هي الأشد إيلاماً وحيفاً، ولن تعالج أزمة الاقتصاد كما قيل في أيام إعلانها لأنها زادت الأمور تعقيداً، فعلى الحكومة أن تنظر فوراً في بدائل اخرى وتراجع هذه السياسات غير المدروسة بعناية، واجراء شورى أوسع والاستماع لقطاعات أكبر من أهل الاختصاص والخبرة، فالاقتصاد ساحة واسعة تتعدد فيها المعالجات والبدائل والحلول، فالركون لحل هو الخطأ بعينه، فإذا كان الشعب تحمل وصبر وأعطى المعارضة الدرس البليغ وأظهر أنه اقوى من الخداع وأثبت من الجبال، فإن اقل ما تفعله الحكومة له هو أن تتصالح معه وتخفف عنه بلوى الضائقة المعيشية وتتحمل معه ما يعانيه، فالإجراءات الاقتصادية الأخيرة أخذت بالحلول السهلة ورفعت الدعم، وكلها إجراءات يتحملها المواطن لا الحكومة، أما وأن الشعب أعطى كلمته وثقته وأشاح بوجهه عن المعارضة وتولى قبلة الحكومة، فعلى الحكومة أن تجازيه الجزاء الأوفى.. وتقف معه ولو لمرة واحدة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق