الأحد، 27 مارس 2016

الضمانات القوية لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني!

من الثابت والمتعارف عليه في الممارسة السياسية عموماً إن السياسة ليس فيها (ضمانات) وكل من يرهق نفسه باقحام الأجانب والآخرين في أي وثيقة سياسية بغرض الحصول على ضمانات للتنفيذ، إنما يفعل ذلك من (منطلق نفسي) فقط ولكي (يطمئن قلبه) ولكنه من الناحية العملية لا يملك (ضمان) الضامن نفسه طالما أن الإطار العام هو السياسة بكل ما فيها من مصالح ومتغيرات وتقلبات!
ولهذا فإن اللاعب السياسي الماهر هو ذلك الذي يجيد قراءة المعطيات ويراهن على الإرادة السياسية ويعتمد في أي عمل سياسي على قدر غير قليل من حسن النية وحقائق  الواقع. نقول ذلك وكل المشكلة التى لمسناها الآن من خلال محاولات البعض إعادة تدوير الحوار (من الخارج) أو إقامة منبر جديد، هي مشكلة (نفسية) تتعلق بمخاوف وهواجس بألا يفضي الأمر إلى تنفيذ المخرجات، أو فلنقل تساورهم مخاوف بألا يجدوا لأنفسهم (موطئ قدم سياسي) بعد المتغيرات التي طالت المشهد السياسي برمته.
كل الذين يبحثون الآن عن (ضمانات) من منابر خارجية وقوى دولية ووسطاء، مخاوفهم في حقيقتها تتصل بواقعهم السياسي التنظيمي الخاص بأكثر من أي شيء آخر. بعضهم يود تعويض تضعضع قوته الحزبية بسلطة انتقالية طويلة تتيح له إعادة بناء حزبه من جديد حتى يحصد دوائر أي انتخابات مقبلة.
بعضهم يود (اختصار) السنوات المقبلة لكي يجد نفسه (حاكماً) بدلاً من أن يتخذ طريق التكوين السياسي المتدرج! الأمر كله عجلة غير مبررة مع طمع لا تحده حدود في الحصول على سلطة وبسرعة وبسهولة و يسر! اذا أجلت النظر في كل أذهان القادة السياسيين الذين يتدافعون الآن في أديس وغيرها تجدهم متعجلين للسلطة، متعطشين لتغيير كامل للسلطة الموجودة الآن وكنس آثارها والحلول محلها واستعادة الماضي.
ربما ينكر البعض هذه الحقيقة وربما يغالط البعض بشأنها وربما يستنكرها بعض آخر ممن يزعمون الوطنية والحرص عل وحدة واستقرار السودان. ولكن بلا أدنى شك فهذه هي الحقيقة وإن بدت مرة أو عصية على التذوق.
وعلى ذلك فإن مخرجات الحوار الوطني يمكن الجزم -من واقع عدة اعتبارات سوف نعرض لها بإيجاز لاحقاً- بأنها مخرجات حتمية التنفيذ وأن الجهات التى شاركت فيهان أدركت في لحظة مبكرة أنها هي السبيل الأوحد المتاح لتسوية الأوضاع في السودان. أما ما هي هذه الاعتبارات فيمكننا إيجازها في:
أولاً، مشروع الحوار نفسه جاء بمبادرة (خالصة) ودون وجود أي عنصر ضاغط من القوى المعارضة أو غيرها على السلطة الحاكمة، وهذا يعني ببساطة أن هذه الاطروحة وهذه المبادرة حسبت لها الجهات المبادرة حساباتها وأعدت نفسها لها وفق كافة الاحتمالات لأن طبيعة القضايا التي نوقشت وطرحت في الحوار قضايا كلية ومحورية تمس صميم الأزمة السودانية و السلطة الحاكمة على دراية تامة بها، وهذه في تقديرنا -وسيدرك الكثيرون ذلك لاحقاً- هي محور العملية و مرتكزها الأساسي؛ أخذ رأي الكل لبلورة برنامج وطني لحل جذري للأزمة.
ثانياً، من المستحيل -نظراً وعملاً- أن تخدع الحكومة السودانية كل القوى السياسية والمسلحة ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمع الدولي والاقليمي الذي تابع عن كثب مشروع الحوار الوطني، أو ان تغامر برمي هذه المخرجات في سلة المهملات. ما من سياسي حصيف يستطيع ان يتصور تصوراً كهذا، فالحزب الحاكم يجيد النظر إلى المستقبل بأكثر من أي حزب آخر، لأنه على اقل تقدير يجلس في ربوة عالية وساخنة تتيح له النظر جيداً وقراءة المآلات بدرجة أكثر.
ثالثاً، آلية 7+7 والجمعية العمومية الخاصة بمشروع الحوار الوطني، هي نفسها ستظل رقيب لن تلين له قناة في متابعة التنفيذ، وهي جمعية عمومية لا يستهان بها ولا يمكن لعاقل أن يستهين بها.
رابعاً، الحكومة نفسها -شأنها شأن أي مجموعة سياسية أخرى- تتطلع إلى حالة تراضي وطني واستقرار عام ، وهذا واضح في سعيها الدءوب للتفاوض والحوار و إلتقاء أي فرقاء أو حملة لسلاح أو ساسة في الداخل والخارج. لكل ذلك فإن ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار واضحة كالشمس لمن له عينين وذهن سياسي لماح ولكن للأسف ان المعادلة مقلوبة، فبينما يكون الأمر الطبيعي ان تسعى قوى المعارضة لإجبار الحكومة للحوار وترفض الاخيرة من موقع قوة أو تهديد حقيقي للحكومة؛ يحدث العكس، الحكومة تلهث وراء المعارضة التى تعاني من الضعف لكي تقبل الحوار والتسوية السياسية الجذرية، والمعارضة تتمنّع وهي ضعيفة ولا تملك خيارات من أي نوع!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق