الأحد، 20 مارس 2016

الفارق الجوهري في العمل السياسي المعارض، ما بين الداخل والخارج!

على كثرة المرات العديدة التي وقف فيها الدكتور الترابي معارضاً للعديد من الحكومات السودانية المتعاقبة، مما يحمد للراحل الترابي -كسياسي- أنه كان دائماً يتحمل نتائج معارضته ويدفع فاتورة مواقفه بالكامل ويفضل أن يدخل السجون والمعتقلات، من أن يذهب ليعارض من الخارج ويخالط أعداء بلاده ويحادثهم فى شأن من صميم بلاده.
هذه الحقيقة التى نسوقها بتجرد وموضوعية لا نسوقها من أجل كيل المدح وتقريظ الرجل الذي الآن هو بين يدي ربه، كما لا نسوقه من اجل (الاستدراك) أو ذكر محاسن المتوفى. الأمر بداية ونهاية لا يتجاوز حدود توطين وترسيخ الممارسة السياسية في السودان على التراب والأرض السودانية إذ أن قضية ممارسة العمل السياسي المعارض -غليظاً كان أو ناعماً- كان ولا يزال مطلوباً أن تكون قضية وطنية مرتبطة بالثوابت الوطنية السودانية، بعيدة كل البعد عن منح الخارج أي ثغرة للولوج عبرها إلى القلعة الوطنية، إذ أن لدينا في الوقت الراهن وفي أرجاء متفرقة من العالم عشرات القادة السياسيين -أو الذين يزعمون أنهم كذلك- يعتقدون خطأً أنهم يمارسون عملاً سياسياً عالي القيمة من الخارج!
والمؤسف في هذا الصدد أن بعض هؤلاء القادة كانوا بالداخل، وكانوا يوجهون ما شاءوا من النقد وطرح الرأي الآخر، و كانوا (على صلة) بمجريات الأمور بالداخل وكان وما يزالوا بإمكانهم وبقدر ما لديهم من براعة ومهارات سياسية أن يمارسوا معارضتهم من الداخل، ولكنهم -ولأغراض تخص راحتهم الشخصية،والحصول على (مكاسب) مادية أو اعلامية فضلوا الخروج إلى الخارج.
وإذا كان الدكتور الترابي في كل تاريخه السياسي المعلن وغير المعلن وطوال أكثر من 50 عاماً لم يمارس عملاً معارضاً من الخارج قط، فإن بالمقابل هناك آخرون قضوا نصف هذه المدة بالخارج فى فترات متقطعة، والأسماء هنا لا تقع على حصر فعلي سبيل المثال، فإن السيد الصادق المهدي قضى سنوات طويلة جداً، بالمقارنة مع سنه وخبرته السياسية معارضاً من الخارج وأورثته هذه الممارسة الخطيرة انقطاعاً عن ما يجري بالداخل، وانقطاعاً لا مناص منه مع قواعد حزبه والأكثر أسفاً أن الرجل -علم ذلك أم لم يعلمه- وقع في براثن المخابرات الأجنبية التى لن تكون مخابرات (ذكية وناجحة)، إذ لم تستفد من معارض سياسي كان مسئولاً كبيراً في بلاده في يوم من الايام، والاستفادة هنا متنوعة وتشمل كل الحاضر وربما تشكل الماضي وتصل إلى مشارف المستقبل!
هنالك أيضاً أمثال على محمود حسنين ونصر الدين الهادي المهدي، وياسر عمان وعبد العزيز الحلو ومالك عقار وقائمة مطولة من الذين (راقت) لهم الحياة في عواصم وعيون المخابرات وآذانها تحصي عليهم كل شيء و (توثق) لهم سقطاتهم البشرية و (أهوائهم الخاصة) لا من أجل الابتزاز أو التشهير ولكن من المؤكد لأغراض سياسية مهمة!
وقد سبق للسيد مبارك الفاضل أن أقر مؤخراً بإرتباط العديد من القادة المعارضين بالخارج برجال مخابرات أجانب! وهو بهذا الاعتراف لم يخترع أمراً خافياً على البشرية، هو فقط أقر بهذه الحقيقة المريرة وغير المبررة فى سياق يمكن إدراجه فى خانة (وخز الضمير) !
وعلى ذلك فإن العمل السياسي المعارض القائم على الاستعانة بالآخرين (من الخارج) بالاعتماد على أموالهم وتسهيلاتهم ونثرياتهم وما يوفرونه لضيوفهم من (وسائل الراحة) بمختلف أنواعها، هي في الواقع واحداً من كبريات الخطايا الوطنية التى لا تشبه السودانيين مهما كانت توجهاتهم، ويؤسف المرء ان يقول ان أحداً ليس بإمكانه ان يحصي الآن مقدار أنواع الأذى السياسي والعقوبات والحصار الذي أذاق السودانيين الأمرّين، ومن كان وراءه من هؤلاء القادة المتجولين بالخارج يغرسون سهامهم المسمومة في أجساد أهلهم وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق