الخميس، 31 مارس 2016

لأغراض لوجستية أم لأغراض إنسانية؟

الأطروحة المتكررة الخاصة بوقف إطلاق النار في المنطقتين (جنوب كردفان و النيل الأزرق) فقط لأغراض انسانية، اطروحة مثيرة للارتياب، بل ربما كانت تحوي وعلى نحو مباشر خطة خداع تكتيكية تحاول عبرها الحركة الشعبية قطاع الشمال الحصول على وقت كاف لالتقاط الأنفس وإعادة تصفيف تسريحتها العسكرية وإدخال المؤن والذخائر والأسلحة لإدارة أنشطة حربية جديدة.
في اللقاء السابق فعلت الحركة الشعبية ذات الصنيع، لم تزد عن قبول وقف اطلاق النار لأغراض انسانية! وحتى على مستوى هذا الطرح طالبت بأن يكون ممر المساعدات الانسانية عبر دولة جنوب السودان! في حين ان المساعدات الانسانية التى تقدم لدولة الجنوب تمر عبر السودان! إن من المفروغ منه ان التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال -بأي اجندة كانت ولأي هدف كان- أمر محفوف بدواعي عديدة مثير للريبة والشكوك، فمن جانب أول فإن الحديث عن وقف اطلاق النار لأغراض انسانية يحمل في طياته تساؤلات منطقية عديدة فإذا كانت لهذه الحرب -غير المفيدة وغير المجدية- كل هذه الإفرازات الانسانية والمثالب الاجتماعية على مواطني وسكان المنطقتين، فإن من باب أولى وقفها نهائياً وتحويل ميدان الصراع إلى مائدة التفاوض وإلا فإن فتح الباب لهذا المبرر غير الأخلاقي وغير الانساني معناه اعطاء الفرصة لطرف يشعر بالضعف لتقوية عضلاته لإعادة إفساد ما أصلحته المساعدات الانسانية من جديد!
من الغريب ان يقبل الوسطاء وبعض القوى الدولية هذا المنطق العبثي المسمّى بوقف اطلاق النار لاغراض انسانية. فإن لم يكن –من الأساس– وقف أي حرب لاغراض انسانية فلأي غاية إذن توقف الحرب؟
من جانب ثاني فإن المجتمع الدولي نفسه يمارس تبديداً متعمداً للأموال بسماحه بتقديم مساعدات انسانية بملايين الدولارات -في خضم نزاع مسلح مؤجل فقط ولم يتم حسمه نهائياً- فالأمم المتحدة ومنظماتها الاغاثية تهدر أموال طائلة للاغاثة في حين أن بمقدروها -بشيء من الضغط ترهيباً وترغيباً- أن تجبر الحركة الشعبية على إنهاء النزاع ولعل من المفارقات الجديرة حقاً بالذكر هنا ان ذات المجتمع الدولي حين قرر إنهاء النزاع الطويل المضني بين شطريّ السودان شمال وجنوب في العام 2005 استطاع وبسهولة شديدة إجبار الحركة الشعبية الجنوبية حينها على القبول بوقف اطلاق النار، وظل صامداً لدرجة كبيرة حتى تكللت المفاوضات بالنجاح، مع الفارق بين الحالتين كالمسافة بين السماء والأرض فالحركة الشعبية قطاع الشمال ليست لديها ذات القضية والخصوصية الثقافية للجنوب!
ومن ناحية ثالثة فإن التساؤل الأكبر في هذا الصدد يظل ماثلاً فيما اذا كان المجتمع الدولي وبعض القوى الدولية –التي ظلت وعلى مدى عامين ترى وتحزن لما آلت اليه الأوضاع في دولة الجنوب من مآسي وكوارث جراء الصراع العبثي الدائر هناك– يرغبون في إعادة إنتاج وخلق ذات السيناريو وعلى نحو متطابق بشأن المنطقتين، وإلا فما هو الداعي أصلاً لإعاقة عملية التفاوض ووضع العراقيل أمامها وإطالة أمدة المأساة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق