الاثنين، 14 مارس 2016

نتائج الحوار الوطني، بين الشخصي والموضوعي

بدأت منذ الآن انتقادات البعض وإنتقاصاتهم لمخرجات ونتائج الحوار الوطني حتى قبل ان يتم الاعلان عنها رسمياً. المثال الابرز حتى الآن ما أعلنته لجنة الحكم والحريات والمتمثل فى استحداث منصب رئيس وزراء يرأس الجهاز التنفيذي مع وجود رئيس للجمهورية، وهو نظام سياسي يعرف في علم النظم السياسية والدستورية بالنظام المختلط، أي (نظام ثالث) يحاول الجمع ما بين مزايا النظام النيابي والنظام الرئاسي، ومعروف في دول عديدة منها مصر وفرنسا.
والسودان عرف النظام الرئاسي وعرف النظام النيابي، ففي الانظمة التي جاءت عبر التغيير العسكري سادت النظم الرئاسية وفي أزمنة التعددية الحزبية سادت الانظمة النيابية. ومن المؤكد ان محاولة الجميع والاستفادة من مزايا النظامين –من الناحية العلمية- أمر لا غبار عليه وهو يعني ان المقترح جاء في سياق توفيقي كأمر طبيعي فى عملية حوار وطني أدلى كلٌ برأيه ويحاول كل طارح رأي ان يجد رأيه المردود الذي يريده، فيلجأ الموفِّقون فى هذه الحالة الى إيجاد (منطقة وسطى) ترضي الاطراف كافة.
غير أن المهم فى هذا الصدد ليس طبيعة النظام الدستوري السائد وما يحققه من مزايا بقدر ما أن المقصود من مشروع الحوار الوطني -إجمالاً- وضع بناء مؤسسي متين للدولة السودانية من واقع تجاربها السابقة وكيفية تفادي الخلل في النظام النيابي والنظام الرئاسي قدر الامكان واستحداث نظام دستوري يوازن بين كل اطراف المعادلة ويحقق الاستقرار المنشود.
المؤسف في الامر ان النقد الموجه الآن نقد ذي صفة شخصية، وهذه طبيعة سودانية معيبة، إذ سرعان ما بدأ البعض يتكهن بأن المقصد من المقترح هو تعيين السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء وحل (أزمته) السياسية كرئيس سابق للوزراء! بعض آخر بدأ يتكهن بتولي النائب الاول الحالي الفريق بكري حسن صالح لرئاسة الوزراء! وبعض آخر ظل يناهض المقترح باعتباره سوف يخلق (إزدواجية مقيتة) في القيادة!
وهكذا، بدأ الناس يشغلون انفسهم ويشتغلون بتفاصيل التفاصيل منذ الآن! هذا مثال واحد فقط من جملة المخرجات، فإذا كان الامر سوف يصبح محل (شخصنة) وتكهنات ورفض وقبول وتلبس إتجاهات الرأي العام فإن مجمل عملية الحوار عاجلاً أم آجلاً سوف يتم إفراغها من مضمونها الاستراتيجي.
إذن الفهم الصحيح لعملية الحوار، هي عمل استراتيجي يهدف لبناء الدولة السودانية الحديثة باستصحاب التجارب السابقة وبرؤى نابعة من صميم الواقع السوداني الذي يعرفه الجميع، وهي بهذه المثابة عملية لا نهائية ومستمرة ومتواصلة وتحتاج لنفس طويل، فهي ليست حلولاً تكتيكية لقضايا تاريخية ولا مسكنات لقضايا ظلت عصية على الحل؛ هي حلول استراتيجية طويلة الاجل قد يصاحبها نجاح وإخفاق وتوقف ثم حراك. ولكن المهم ان يتم التأمين عليها ودعمها والمشاركة من قبل الكل فى ترسيخها.
لو كان مقصد الحوار الوطني اشاعة الخلافات والتشاكس حول من يتولى هذا المنصب أم ذاك لما احتاج الأمر لذلك الجهد العلمي الجبار والأوراق السياسية المخدومة علمياً، وعملياً بإقتدار. الحوار هو اللبنة والأساس لبناء الدولة السودانية ولا يحتمل وما ينبغي له أن يحمل ويتعرض لهذه التكهنات والشخصنة السياسية والإيحاء بأسلوب المحاصصات!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق