الأحد، 20 مارس 2016

الشخصي والموضوعي في مشروع الحوار الوطني!

على الرغم من ان مشروع الحوار الوطني كان بموجب مبادرة من الرئيس السوداني المشير البشير، إلا أن المشروع وحال إنعقاد أول جمعية عمومية فى السادس من ابريل 2014 تحول الى مشروع مؤسسات حزبية ومنظمات فئوية واجتماعية لكل السودانيين وليس ملكاً لأحد أو جهة بما في ذلك الحزب الذي يتزعمه الرئيس البشير نفسه.
وذلك ببساطة لأنه حوار وطني ومائدة مستديرة تساوي بين كافة المكونات السياسية والفئوية نظراً لأن المطلوب هو التأسيس لدولة سودانية بأيد وطنية سودانية. وتأسيساً على ذلك فإن رؤية البعض لمشروع الحوار الوطني من زوايا شخصية، ومن واقع حضور وغياب شخصيات -مهما كانت درجة أهميتهم أو تأثيرهم - ليست رؤية سديدة ولا تتسم بالموضوعية المطلوبة.
كثيرون عبروا عن مخاوفهم وهواجسهم صراحة أو ضمناً من ألا يصل الحوار الوطني الى نهاياته السعيدة جراء الغياب المفاجئ  للدكتور الترابي زعيم المؤتمر الشعبي وكثيرون يساورهم الاعتقاد -خطأً- أن محور المشروع ومرتكزه الأساسي هو الراحل الترابي، ومن ثم فإن المشروع إما أن يموت بموته أولا يصل إلى غايته المرجوة!
هذه النظرة بالطبع لا تعتبر عن حقائق الواقع ولا تستصحب طبيعة المؤسسات، فهي نظرة ما تزال في طور المبالغة فى (شخصنة) الأمور و ربط الأحداث حاضراً ومستقلاً بالقدرات المهولة والخرافية للأشخاص. ومن المعروف في الممارسة السياسية السودانية تاريخياً أن الساحة السياسية ومنذ استقلال السودان في الأول من يناير 1956 فقد آلاف الشخصيات السياسية المؤثرة والمفكرة وذات الحكمة والنظرة السديدة.
صحيح ان غيابهم خصم من الساحة السياسية وألقى بظلال سالبة على مجمل الحراك العام، ولكن هذه أمور حياتية وطبيعة ما تنفك البشرية جمعاء تعيشها، يأتي البعض ويذهب آخرون وتتفاوت القدرات والمهارات ويتفاوت تبعاً لذلك إحراز النجاح، وحدوث الفشل.
ومن هنا يمكننا أن نعيد قراءة واقع مشروع الحوار الوطني، تجديداً لبنياته ولبناته الأساسية، بعيداً عن رحيل الأشخاص أو مشاركتهم فيه من عدمها، فالقضية قضية وطنية محضة وليست قضية مكاسب سياسية او تقديس لأشخاص بعينهم. أولاً، منذ أن دارت عجلة الحوار الوطني قبل أكثر من عامين فإن مشروع الحوار تحول -بالدفع الذاتي- إلى مشروع وطني سوداني (محلي) ويخص السودانيين عامة وللمصلحة الوطنية وحدها وليس لصالح شخص أو حزب أو مجموعة.
ثانياً، اللبنات الأساسية التى تبدت بعض ملامحها من المشروع تهدف الى تطوير الممارسة السياسية وتعزيز مناخ الاصلاح والحريات، وهي بهذه المثابة أمور تحتاج لتواثق وتنفيذ بالتضامن والانفراد مع حرص على المحافظة على مكتسبات المشروع  للصالح الوطني العام دون النظر الى خسائر أو مكاسب.
ثالثاً، رحيل الدكتور الترابي المفاجئ هو في حد ذاته بمثابة عبرة ودرس وطني بليغ، كون الراحل والى آخر لحظة من حياته كان يسعى الى لم الشمل والتأسيس لوحدة وطنية وعقد اجتماعي وسياسي مجرد من أي أهواء او تطلعات شخصية، فقد كان متاحاً للرجل -لو كان الأمر أمراً شخصياً ومجداً خاصاً- أن يعالج أموره مع الحكومة السودانية بمهارته السياسية الخاصة وهو ضليع للغاية في هذه الناحية ويشهد بذلك حتى أعتى خصومه.
إن مشروع الحوار الوطني ومخرجاته ومسئولية تنفيذ هذه المخرجات تأكد بالدليل العملي أنها (عمل وطني خالص) وطالما أنه كذلك فينبغي ألا يتأثر برحيل احد، فالأشخاص زائلون و الوطن باقي.
رابعاً، مشروع الحوار الوطني نفسه ورغم مقاطعة البعض له -بغض النظر عن الدوافع والأسباب- أثبت أن ما يجمع الفرقاء السودانيين هو في الحقيقة أكبر بكثير جداً مما يفرق بينهم، وان إمكانية التوافق و التعايش اكبر، الأمر الذي من شأنه أن يحفز الكل للعمل من أجل الوطن بعيداً عن التعصب الحزبي أو المكاسب الخاصة، إذ مما يؤسف له أن عشرات الحركات المسلحة الآن -والتي لا تمثل أحداً- هي نفسها لا تدري لم حملت السلاح ولم لا تزال تقاتل وتزيد من فتوق وجراحات الوطن، في ظل إمكانية طرح رؤاها وأن تجد هذه الرؤى الاحترام المطلوب.
وعلى كل فإن الحوار الوطني مؤسسة وطنية سودانية مطروحة للإكتتاب السياسي العام وليست مؤسسة شخصية وما ينبغي لها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق