الأربعاء، 30 مارس 2016

أكذوبة الضمانات الدولية!

يعجب المرء كيف يرهق بعض قادة القوى السياسية السودانية المعارضة أنفسهم كل هذا الإرهاق في محاولة ايجاد حلول لنزاعاتهم مع السلطة الحاكمة، المشكلة برمتها هنا بالداخل وعناصر حلها سهلة ومتاحة هنا بالداخل؟ والمعنيين بالحل وهم (شعب السودان) هنا بالداخل، ومع ذلك يبحثون عن الحل هناك في الخارج ولا يسأمون من التنقل من عاصمة أجنبية إلى اخرى من وسيط أجنبي إلى آخر وضامن اقليمي وضامن دولي دون ان يكلوا أو يملوا!
اللقاء التشاوري الذي جرى في أديس أبابا مؤخراً -بغض النظر عن ما افضى اليه، أو ما يمكن ان يفضي اليه مستقبلاً، نموذج مؤسف ومحزن لهذه الممارسة الشائهة غير المبررة على الاطلاق. قادة كبار وذوي تجربة ويدّعون الوطنية لا تروق لهم المحادثات مع خصومهم إلا عبر الوسطاء والمراقبين الدوليين!
قد يتحجج البعض بأن الحكومة السودانية لا تفي بالعهود والمواثيق وأنها لا تستجيب لخصومها إلا باستخدام عصا دولية قوية. بعض آخر ممن أدمنوا مزاج الصناعات السياسية الأجنبية ومزاياها البراقة الخادعة مفضلينها على الصناعة الوطنية المتينة القابلة للتطوير، لم تعد أذهانهم تستوعب قط، الوثائق الوطنية -بعيوبها الصغيرة- وكأنهم في عجلة من أمرهم، أو كأن السودان آيل للمحو النهائي من الخارطة العالمية!
إن أي منطق يتحدث عن عدم وجود ضمانات داخلية ووازع وطني مخلص لتنفيذ أي وثيقة وطنية، هو منطق غير سوي وغير قابل للقبول، فعلي سبيل المثال لا الحصر انجزت الحكومة السودانية اتفاقية نيفاشا 2005 في قيدها الزمني المحدد (مدة الست سنوات) سلمت بعدها الاخوة الجنوبيين بلادهم حين قرروا الانفصال! طوال هذه السنوات الست لم يتحرك أي وسيط أو ضامن دولي لكي (يهش) بعصاه على الحكومة السودانية لتفعل أو لا تفعل ولم يرغمها أحد على إنفاذ بنود اتفاقية السلام الشاملة، بل للمفارقات، فإن الحركة الشعبية هي التي خالفت صراحة بنود إتفاقية السلام فيما يخص تحديداً سحب الفرقتين العسكريتين التابعة لها في جنوب كردفان والنيل الازرق أو تسريحهما وإعادة ادماجها وهي التي شكلت فيما بعد نواة للحرب الدائرة حالياً في المنطقتين.
اتفاقية أبوجا 2005 مع حركات دارفور المسلحة (فصيل مناوي) من الذي أخلّ بها وخرج منها (ذات ليل)، هل هو مناوي أم الحكومة السودانية؟ ثم جاءت اتفاقية سلام الشرق 2007 والتى لم يدّع أحد حتى هذه اللحظة (طوال أكثر من 9أعوام) أنها تعرضت لخرق من جانب الحكومة السودانية. تثور المشكلات هنا وهناك -كأمر طبيعي في تفسير البنود- ولكن الاتفاقية تنفذ وليس أدل على ذلك من الأنشطة الخدمية والتنموية التى يقوم بها صندوق دعم و اعمار الشرق! بل لينظر أي مراقب منصف إلى ولايات الشرق الآن وليقارن! ثم لينظر إلى اتفاقية الدوحة (2012) أنظر كيف مضت ووصلت إلى حد تنفيذ الاستفتاء الإداري؟
دعنا من هذه الاتفاقيات، لمنعن النظر في اتفاق الوطني مع الاحزاب الاتحادية (بكافة فصائلها) بما في ذلك الحزب الاتحادي الأصل بقيادة الميرغني، أليسوا الآن جزء أساسي من السلطة الحاكمة؟ أنظر الى أحزاب الامة (بكل فصائلها) ما عدا الجناح الذي يقوده السيد الصادق المهدي. مع أن ابن المهدي نفسه (عبد الرحمن الصادق) هو الآن مساعد رئيس الجمهورية وعنصر فاعل في الحكومة؛ ألم يفي الوطني بتعهداته معهم؟ بل لننظر حتى في أولئك الذين حضروا للحوار الوطني -وهم يحملون السلاح- وطرحوا رؤاهم ثم غادروا إلى الميدان، ألم تفي الحكومة معهم بتعهداتها؟
الحركة الشعبية قطاع الشمال ما الذي تركته الحكومة السودانية لإسترضائها ولم تفعل؟ كم مرة قدمت لها الحكومة التنازلات ثم ما لبثت الحركة نفسها ورفضتها؟ هناك مسلسل مطول من ما يؤكد ان الحكومة السودانية تفي بالتعهدات ولها قابلية الوفاء بالتعهدات وليس صحيحاً البتة أنها لا تفعل، ولهذا فإن الذين يرهقون أنفسهم ويبحثون عن الحل على ضوء (مصابيح خارجية) وخارج نطاق الأرض السودانية مخطئون وسوف يكتشفون في لحظة تاريخية فاصلة -وربما بعد فوات الأوان- أنهم كانوا يفتحون الأبواب (من الخارج) لأعداء السودان لكي يتدخلوا في الشأن السوداني!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق