الأربعاء، 1 فبراير 2017

الذئاب المنفردة ..!!

تعد الإجراءات والأوامر التنفيذية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ما يختص بالهجرة ومنع رعايا سبع دول من دخول الولايات المتحدة في إثارتها للغضب والجدل العنيف في كل أرجاء الدنيا وخاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية،
فرصة كبيرة لتزايد الخوف من تنامي ردود الأفعال العنيفة وفي مقدمتها الأعمال الإرهابية غير المرتبطة بتخطيط أو تنظيم التي تعرف في الدوائر السياسية والأمنية والإعلامية والعلمية وعالم المخابرات بعمليات (الذئاب المنفردة  Lone Wolf Terrorism ) وهو مفهوم مستأنس من هجمات الذئب الحقيقي المنفرد على قطيع من الأغنام وحده دون حاجة الى رفقته من زمرة الذئاب وفي الغالب تنجح هجماته .
 منذ أن نحت الإرهابيان الأمريكيان توم ميترجز وأليكس كورتيس ، مصطلح (الذئب المنفرد) عام 1996م وقاما بتحريض الأفراد العنصرين على القيام بأعمال إرهابية منفردة وأحادية بعيداً عن الارتباط بتنظيمات أو مجموعات تجنباً لتعقبات الشرطة والأجهزة الأمنية ، حدث تطور هائل في مفاهيم التصدي الأمني للعمليات الإرهابية ولم تعد عملية ملاحقة التنظيمات المتطرفة ذات جدوى في احتواء أية عمليات تستهدف الأفراد والمواقع والمنشآت والجماعات، وتم الانعطاف بالكامل في سير تنفيذ العمليات الإرهابية إلى مدرسة أخرى ساهم في تطويرها أبو مصعب السوري أحد أهم المراجع في ما يسمى بالجهاد العالمي وأحد رموز تنظيم القاعدة ثم صار المرجع الروحي لأفراد تنظيم داعش ، وتمتد مدرسة الذئاب المنفردة بجذورها المتعمقة في التاريخ السياسي من قرون طويلة ، وتلقي بظلها الثقيل في نهايات العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين .
 وباتت التنظيمات التي صيغ بسببها مصطلح عالمي ونهج دولي لمواجهتها كمنظمات إرهابية وتنفذ أعمالها لأسباب سياسية ودينية واجتماعية، معتمدة على العمل الجماعي المخطط له بوساطة التنظيم وخلاياه النعقدة في فعل جماعي ، باتت بعد الحرب عليها في عقد التسعينيات من القرن الماضي وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ثم ظهور تنظيمي القاعدة وداعش ، تنتهج نهجاً جديداً ظل معروفاً في الغرب وفي منطاق كثيرة من العالم بالعمليات الفردية التي ينفذها فرد واحد لا يرتبط عضوياً بالتنظيم ولا يترتب على تنفيذه أية خسارة كبيرة وفادحة ، فيسهل عليه التحرك وينعدم الاشتباه ولا يمكن متابعته أو مراقبة حركته او اتصالاته او اختراقها كما يتم مع أفراد الخلايا التنظيمية الذين يعملون كفريق واحد ، بالإضافة الى أن العملية التي ينفذها الذئب المنفرد لا تحتاج الى تخطيط طويل ودقيق ودعومات لوجستية وتغطيات احترازية وتوفير فرص للهرب او ملاذات للاختباء او تجهيزات مكلفة ومعقدة في نقل الأسلحة او المتفجرات والعبوات الناسفة او السيارات ووسائل النقل وغيرها من الاحتياجات في العمليات الجماعية التي تنفذ بواسطة مجموعة محترفة ومعدة مدربة للعمل .  ويعد الإرهاب الفردي مسار آخر لجأت إليه التنظيمات التي تمارس الإرهاب بعد أن واجهت تصدياً دولياً للقضاء عليها ووقف نشاطاتها ، واستطاعت هذه التنظيمات من تدريب كوادرها وأفرادها تدريباً جيداً ، بل ذهب بعضها إلى إصدار كتب ومراشد للعمليات الجهادية وانتهت فترة الفتاوى والتعبئة الفكرية والسياسية التي تجوز قتل الآخرين والاعتداء عليهم إلى ابتكار أساليب جديدة في العمل، وتمت الاستعاضة عن المجموعات والخلايا المحكمة والعمل الجماعي إلى هذا النوع الجديد من الاعتداءات .
  وتكشف دراسات وإحصاءات أعدتها عدة جهات دولية عن ارتفاع وزيادة وتيرة ومعدلات هذه العمليات الانفرادية في الغرب وبقية أرجاء العالم المختلفة ، وساعد الانفجار الهائل في وسائل الاتصال وثورة الإنترنت في تلقي التدريبات والتوجيهات والارتباطات الفكرية والنفسية بين أعضاء التنظيمات في كل أنحاء الدنيا، ولم يعد  (الذئب المنفرد) في حاجة الى معرفة توجهات التنظيم الذي ينتمي إليه ولا الى صلات وارتباطات مباشرة من قادته للقيام بعملية ما ، و أصبح من الصعب رصد أي شخص وحده إن لم تكن له سوابق او شبهات.
 وتعتبر عمليات الذئاب المنفردة تحدياً كبيراً لأجهزة الأمن والمخابرات في العالم باعتبار أن الأشخاص الذين يتحركون وحدهم وينفذون دون مساعدة من أحد يتعذر الحد من خطورتهم لعدم الإلمام والمعرفة بهم او بنواياهم ، بالإضافة الى الأساليب غير القليدية التي باتوا يستخدمونها مثل الدهس بالسيارات كما تم في مدينة نيس العام الماضي وبرلين في أكتوبر من العام 2016 ، او حادث الاعتداء بسكين في قطار ألماني او أحداث اورلاندو في الولايات المتحدة الأمريكية وقتل القس الفرنسي داخل كنيسته في العام نفسه ..
 مع إن الموضوع طويل وفيه تفصيلات ودراسات كثيرة ، يمكن القول إن توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برغم محمولها السياسي وأغراضها العدائية الظاهرة ضد البلدان الإسلامية التي تم حظر سفر رعاياها الى الولايات المتحدة بقرار جائر منه ، إلا أنها تعبر عن حالة الخوف العارمة التي تعيشها النخب السياسية الأمريكية من (الذئاب المنفردة)!..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق