الخميس، 15 يونيو 2017

قطاع الشمال.. ذهاب الريح

قال أحد الأسرى من (المجاهدين) الذين عادوا إلى الوطن قبل أشهر، وهو من النابهين، أنه أمضى نحواً من أربع سنوات في الأسر، وتأكد له من الملاحظة أن الفرز (العنصري) داخل صفوف الحركة الشعبية سيقودها إلى الانقسام، وأنها ورثت هذا الداء من الأصل الذي تنتمي إليه (الحركة الشعبية)، وقد قال ذلك قبل ظهور حقيقة الصراع الذي يدور الآن في قطاع الشمال بشقيه جبال
النوبة وجنوب النيل الأزرق، التي طالما تكتمت القيادات على الأحداث الجارية بغية تلافيها، وعدم ظهور الحركة على هذا الحال من الضعف والانقسام.
غير أن الأيام وتطورات الأحداث كانت كفيلة بنقل الصراع إلى الفضاء الفسيح، بل واستعرت حرب التصريحات والتصريحات المضادة، وإصدار القرارات والقرارات المناوئة، بينما تجري وقائع اشتباكات عسكرية هنا وهناك كمقدمة للأسوأ الذي يستقبل أودية الحركة قطاع الشمال، وهذه بالطبع محصلة متوقعة، نسبة للأصل الذي انبتت عليه الحركة، وهو (النفس العنصري) الذي أوحاه قرنق كالشيطان في آذانهم، وحملهم على عير الوهم، ومناهم بأنهم سيبتكون آذان السودان، وسيغيرون خلقه، حتى يستوي وما يهوون، فسدروا في هذه الغواية، وراهنوا فيها بكل رأس مالهم، وهو (حالة الأمن الاجتماعي والسلام) التي كان يعيش فيها أهل هاتين المنطقتين، الغنيتين بالموارد الطبيعية، حيث يغدوا ويروح الناس في أمان إلى الحقول والمراعي، وأنفسهم في استراحة من شرور الاقتتال وأوزار الحروب.
الآن تبدلت الأوضاع وانقلبت، فأصبح الأهالي (رهائن) في أيدي قادة الحركات، وما هم عليه من العمالة، والاستغلال، وعدم المسؤولية، اتخذوا (الحرب) مهنة يرتزقون منها، ويطوفون حول العواصم، ويطيلون أمد المأساة، ويقطعون الطريق على أي تسوية وحوار، بأسباب واهية مصطنعة، غير عابئين بأحوال (المواطنين الرهائن) الذين فقدوا حرية الاختيار، وتمت سياقتهم إلى أُتون الحرب زُمُراً.
حتى إذا ضاقت الصدور، ونفد الصبر، وانهارت القدرة على احتمال تصورات (السودان الجديد) التي يتغنى بها ياسر عرمان (الكادر الشيوعي) ويعلق في ذمة النوبة في الجبال والإنقسنا في جنوب النيل الأزرق، يعلق في ذمتهم قضايا (الحريات) كما يعتقدها، و(علاقة الدين بالدولة) رغم تجاوز الزمن لهذه القضية، كما حمل عليهم (ادعاءات المتأثرين بالسدود) و(مطالبات المتأثرين بحرب الخليج) وكل هم، وغم، حملته طائفة من أهل السودان، وكل غبن (حقيقي أو متوهم) حلّ بدار قوم. حتى احتمل النوبة في الجبال، والإنقسنا في جنوب النيل الأزرق، احتملوا أثقالاً مع أثقالهم لإرضاء غرور (الشيوعي) عرمان، وهو يُجرُ لباس القومية على قضية، تأبى إلا أن تكون (محلية صرفة، وعنصرية محضة)، كما عبر عنها أولو القربى منهم (عبد العزيز الحلو).
ولأن عقار أصلاً واجهة عمل لياسر عرمان، الذي يستخدمه (مغفل نافع) بمصطلح الشيوعيين، كان لابد من إزالة آثارهما معاً، وهذا ما عمد إليه عبد العزيز الحلو لمعرفته القريبة ومعايشته لهذا الثنائي الشيطاني، الذي يرد بالناس بحر السراب، فكان لابد من (الانقلاب) حتى يخلص أصل القضية مما اعتراها من تشويه وتزيد لا طائل من ورائه، وردها إلى قضية محلية تعبر عن (بعض المكونات الإثنية في المنطقتين)..
نعم.. هذه هي الحقيقة، التي سعى عقار وعرمان إلى طمس معالمها، والآن هما في خندق مقابل لإبطال مفعول القرارات التي قضت بعزلهما وأحمد العمدة، وتعيين الناطق الرسمي، ووفد التفاوض مع الحكومة، بل وتغيير الأهداف الكلية للحركة بعد (الإنقلاب)، إذ سيغيب عنها (السودان الجديد) والشكل الهلامي الذي يحاول عبثاً استحضاره الرفيق ياسر عرمان، وتتداعى صور الحركة الأم في دولة جنوب السودان، وهي تدق عطر العنصرية (على وزن عطر منشم) بين مكوناتها حتى أصبحت الدولة الوليدة أسوأ نموذج يقاس عليه الفشل..
الآن عمليات الفرز مستمرة في قطاع الشمال، وبدأ (التشاتر) بين مجلس تحرير جبال النوبة، ومجلس تحرير النيل الأزرق، هذا يعقد الراية لعبد العزيز الحلو خلفاً لعقار، وذاك يُصر على بقائها في يد عقار (ابن المنطقة) فرز عنصري على المكشوف..
وعملية تسخين البنادق، وشحذ المدى، والتحريض، مستمرة، وما بقي غير أن يثب هؤلاء على هؤلاء، ليلحق قطاع الشمال بالحركة الشعبية في دولة جنوب السودان، وحقيقة من شابه أباه فما ظلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق