الأحد، 18 يونيو 2017

“الجميع يراقب”

تأييد مسؤولين أمريكيين كبار رفع العقوبات عن السودان يمثل خطوة مهمة بالنسبة للخرطوم التي تنتظر التوقيت بفارغ الصبر، سيما وأن هناك خمسة وعشرين يوماً، هي المهلة المتبقية لتقييم مسار رفع الحظر المفروض على الحكومة من قبل الإدارة
الأمريكية. وبحسب وكالة بلومبيرغ نقلاً عن مصدر مطلع على القرار “إن مسؤولي الولايات المتحدة يؤيدون رفع العقوبات الاقتصادية بشكل دائم عن السودان وتوصية المساعدين الرئيسيين المشاركين في العملية تشير إلى أن تيلرسون مؤيد لرفع العقوبات”، وقد حملت تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي في السودان السفير إستيفن كوسس مؤشرات واضحة حول هذا الأمر، وقال “إن هناك مسارين فقط لا يزالان في حاجة إلى عمل وهما المساعدات الإنسانية وقضية دارفور”.
بالنظر إلى المسارات التي وضعت كشروط لاستكمال رفع العقوبات عن الخرطوم: “وقف الحرب وتحقيق السلام وإنهاء الصراع في مناطق النزاعات وجنوب السودان ومحاربة الإرهاب وتسهيل وصول المساعدات لدارفور”. يلاحظ أن الخرطوم أحدثت تقدماً ملوحظاً في بعضها وجدت إشادة من قبل الطرف الآخر، أبرزها قضية محاربة الإرهاب التي أظهرت فيها الحكومة تعاونا كبيرا مع الجانب الأمريكي، وصلت إلى حد إعادة واشنطن ملحقها العسكري إلى الخرطوم في نوفمبر الماضي؛ فالجنرال جورن بونق باشر مهامه في مقر السفارة الأمريكية، وتبع ذلك السماح للقوات المسلحة السودانية في أبريل الماضي المشاركة لأول مرة في اجتماعات قمة رؤساء أركان المجموعة الأمريكية الأوروبية الأفريقية (أفريكوم) بمدينة (شتوتغارت) الألمانية، وهذا حسب مراقبين مؤشر للرضا عن دور الخرطوم في مكافحة الإرهاب كواحد من البنود الواجب تحقيقها، فضلاً عن ذلك فإن الحكومة لا تزال ملتزمة بإعلان وقف إطلاق النار في المنطقتين ودارفور، وهو مطلب يأتي ضمن بند وقف الحرب، وكذا واصلت السلطات رفع يدها عن قضية الجنوب بإبعاد رياك مشار زعيم المتمردين عن الخرطوم ووقف دعمها له، صحيح أن ما حدث في دارفور مؤخراً من نزاع بين الحكومة والحركات المتمردة قد يكون له تأثير في المسار الخاص بإنهاء الصراع، إلا أن حديث القائم بالأعمال الأمريكي في هذا الجانب يبعد عن الخرطوم شبهة تعمد إثارة الفوضى في المنطقة، وذلك بقوله: “ندري أن ما حدث أخيراً من قتال في دارفور تسببت فيه مكونات داخلية قادمة من خارج السودان، وأن قوات مناوي هي التي ابتدرت القتال، لكننا ننظر من كثب ردة فعل الحكومة عسكرياً وتعاملها مع القضية، وسيكون مفتاحياً لما يترتب عليه”.
بدا واضحاً أن الإدارة الأمريكية منذ أن وضعت مساراتها تلك، أصبحت تراقب من كثب ما يجري في السودان وترصد كل صغيرة وكبيرة محل الاهتمام، وكان بحسب المعطيات أن هجوم حركات دارفور على المنطقة مقصود منه بث رسالة مفادها أن دارفور ليست آمنة باعتبارها واحدة من المسارات، وينسحب عليه تعطيل الخطوة، وإن كان حديث السفير الأمريكي فيه تبرئة واضحة لساحة الحكومة من خرق ما أعلنته من وقف إطلاق النار، إلا أن ما يترتب على الأحداث من تداعيات يمكنه أن ينسحب على المسار ويشكل عائقاً أمام التقرير النهائي لرفع العقوبات، خاصة وأن ما تلا الأيام اللاحقة لوقوع الاشتباكات في دارفور تحدثت تقارير عن توسيع دائرة الصدام ووقوع اعتداءات على مناطق مواطنين وحرق قرى، إلا أن الأمر لا يزال في صالح الخرطوم بحسب مراقبين، وهذا يفسره بيان نشره أركو مني مناوي رئيس حركة تحرير السودان، قال فيه رداً على تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي حول ابتدار حركته للقتال: “قمت بالاتصال بالسفارة الأمريكية بالخرطوم، بعد قراءتي للتصريح مستفسراً عن صحة التصريح، فطُلبوا مني الانتظار بغرض التأكد من القائم بالأعمال نفسه ولم يعودوا إليَّ حتى الآن”.
أي قراءة أو توقعات حول خطوات رفع العقوبات عن السودان لا يكون بمعزل عن طريقة تفكير الإدارة الجديدة للولايات المتحدة ورئيسها دونال ترامب، والتي بحسب متابعين أن الرجل يمكنه أن ينتكس عن خطوات بدأها تحت أي لحظة، هذا مقروناً بقراره عن إعادة العقوبات إلى دولة كوبا التي رفعها سلفه السابق بارك أوباما، واتساقاً مع ذلك يرى البعض أن قرار تخفيف العقوبات عن الخرطوم قد يؤخر لوقت آخر، ولكن وفقاً لآخرين أن هناك أكثر من سبب يدعم فرضية مضي واشنطن في خطواتها ناحية المصالحة مع الخرطوم. وبالنسبة للدكتور حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية “أن الزاوية المهمة في معرفة التوقعات بهذا الشأن أن العقوبات لم تفرض على الحكومة من الأساس بتوصية من وزارة الخارجية الأمريكية، ولكنها فرضت من الكونغرس مباشرة بواسطة ضغوط لوبي”. وينوه الساعوري في حديث لـ(اليوم التالي)، أمس (السبت)، بأن الكثير من الظروف المحيطة بهذه القضية تغيرت بعد عشرين عاماً، أبرزها أن اللوبيات المعنية لم تعد مهتمة بما يدور في السودان، ثانياً أن الرئيس ترامب لم يكن عليه دين من هذه اللوبيات لكونه قاد حملته الانتخابية من ماله الخاصة، ثالثاً أن المؤسسات الأمريكية المختلفة من البنتاغون والمخبارات أكدت مواقفها الثابتة تجاه تعاون الخرطوم في مكافحة الإرهاب، رابعاً الظروف الداخلية في السودان تغيرت عقب ابتدار الحوار الوطني وتشكيل حكومة وفاق، خامساً أن السودان قبل خمسة عشر عاماً (عمر العقوبات) لم يكن لديه صديق في الخليج، لكن الآن إعادة علاقته مع المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة سيكون لها أثر في تغيير تفيكر واشنطن تجاه الخرطوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق